تعريف التحريم :
مصدر من
الفعل حَرَمَ : وهو المنع والتشديد .
فالتحريم ضد
التحليل ، والوجوه التي تأتي عليها هذه الكلمة (حَرَم) تحتمل هذا المعنى .
فالحرمة :
ما لا يحل انتهاكه ، والحرام ضد الحلال ، والحريم : حريم البئر وهو ما حولها ، إذ
يحرم على غير صاحبها أن يحفر فيه . والحَرَمان: مكة والمدينة، سُميا بذلك لحرمتهما
، وأنه حرم أن يُحدث فيهما أو يُؤوى مُحْدِثٌ .
وأحرم الرجل
بالحج : لأنه يحرم عليه ما كان حلالاً له من الصيد والنساء وغير ذلك .
وكثيراً ما يُطلق التحريم ويراد به ضد التحليل ،
ومنه قوله تعالى : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ
الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
} ( النحل116 ) ، وقوله r : " الحلال بيّنٌ والحرام بيّنٌ " [2]
، كما يطلق مراداً به الواجب الثابت [3]
، ومنه قوله تعالى : {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ
لَا يَرْجِعُونَ } ( الأنبياء95 )
،
فقد رُوي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن معنى ذلك : أي واجب عليها . وعن سعيد
بن جبير : أي عزم عليها [4]
، فكان معنى الآية : وواجب على قرية أردنا إهلاكها أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى
الإيمان [5]
.
والملاحظ أن لفظ " حَرَمَ " بالتخفيف
يعني مَنَع وحَظرَ ، وأما لفظ " حَرَّمَ " بالتشديد فإنه يقتضي المبالغة
في المنع والحظر .
ولئن كان
هذان اللفظان ـ حَرَمَ وحَرَّمَ ـ يقتضيان المنع والحظر إلا أن بينهما تفاوتاً
وافتراقاً ، إذ لفظ " حَرَمَ " قد يدل على النهي عن فعل ـ فيكون متعلقاً
بحكم تكليفي ، وقد لا يكون للمكلف فيه دَور ، فقد يمنعه الله تعالى شيئاً ابتلاءً
، ولا يعني وصف المكلف بالحرمان أنه معاقب أو ممنوع من الشيء فقوله سبحانه وتعالى :
{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ( الذاريات 19 )
،
لا يعني كونه محروماً أنه يحرم عليه الأخذ من الزكاة ، بل هو من أصحاب ذلك الحق .
ولذلك
يُستعمل مع لفظ حَرَمَ الذي بهذا المعنى لفظ ( من ) ، فتقول حرمه من كذا . وأما لفظ " حرّم " بالتشديد
: فهذا الأليق والأوفق بالحكم التكليفي ، وهو الأوضح استعمالاً بمعنى نهاه عن
الشيء ، ومنعه من انتهاكه ، ويُستعمل مع ذلك اللفظ ِ لفظُ " على " ،
فتقول : حرّم عليه كذا : بمعنى منعه من الفعل ، وهذا هو الأليق بموضوع بحثنا .
الفرع الثاني : التحريم
اصطلاحاً :
الملاحظ أن التحريم والإيجاب متضادان
باعتبار تقسيم أحكام التكليف ، فالحرام ضد الحلال [6]
، وليس ضد الواجب كما عدّه بعض العلماء [7]
، إذ إن بينهما ما هو مأذون في فعله وتركه وهو المباح .
ومن تعريفات
العلماء للتحريم :
عرّفه
الغزالي بأنه : ( ضد الواجب ) لأنه المقتضى تركه ، والواجب هو المقتضى فعله[8]. وقال القرافي : ( المحرم : ما ذّم فاعله شرعاً
) [9]
.
وقال
المرداوي في بيان ذلك: ( وهو: ما ذُمّ فاعله ولو قولاً ، وعمل قلب شرعاً ) [10]
.
فخرج ( بالذم
) : المكروه والمندوب والمباح ، إذ لا ذم على الفعل .
وبقوله (
ولو قولاً ) : تدخل الغيبة والنميمة ونحوهما مما يحرم التلفظ به .
وبقوله (
ولو عمل قلب ) : يدخل في ذلك النفاق والحقد والحسد ونحوها .
وقيد (
شرعاً ) : متعلق ب ( ذم ) ، وفيه إشارة إلى أن الذم لا يكون إلا من الشرع .
ومن الجدير
بالملاحظة : أن الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طرداً ولا عكساً ، فقد يأثم
الإنسان على ما ليس بحرام ، وقد يحرم ما ليس فيه إثم [11]
، إذ الحِلُّ والحرمة تابعان لمقاصد الشريعة ، ومن رحمة الله أن جعل الإثم متوقفاً
على العلم ، فإذا أقدم العبد على فعلٍ يعتقده حلالاً وهو حرام ٌ فلا إثم عليه ،
تخفيفاً عن العبد ، وإذا أقدم على عمل يظنه حراماً وهو حلال عاقبه الله على جُرأته
[12]على
قصد الحرام .
التعريف
المختار : يمكننا
تعريف التحريم بأنه : ( خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين المقتضي ترك فعل على
وجه الحتم واللزوم ) .
وأما
الحرام فهو: ( ما ورد الدليل الشرعي
بالنهي عنه نهياً جازماً ) .
قيود
التعريف
: " ما ورد الدليل " : يخرج به
ما لم يرد دليل بتحريمه ، فلا يجوز تحريم ما لم يحرمه الله على الناس لقوله تعالى :
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا
حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } ( النحل 116 ) ، والقول بلا
دليل افتراء على الله ، وهو محرم .
وبلفظ
" الشرعي " : يخرج كل دليل غير شرعي ، فلا تحريم بالهوى والتشهي ، إذ هو
ضلال وانحراف عن الجادة ، وخروج عن المنهج القويم .
ويدخل في
الشرعي ما ثبت بالسنة ، وما انعقد عليه الإجماع ، وما استنبطه المجتهدون بناء على
قواعد الشرع ، ومراعاة مقاصد الشريعة .
ولفظ "
النهي عنه " : يخرج به ما ورد الدليل الشرعي بطلب فعله ، سواء كان الطلب على
وجه الحتم واللزوم أو بلا حتم ، كما يخرج به ما خُيّر فيه المكلف بين الفعل والترك
وهو المباح .
وبلفظ " نهياً جازماً " : يخرج ما لم يكن
النهي عنه على وجه الحتم واللزوم وهو المكروه .
ويلاحظ هنا
أنه لم يتعرض التعريف لقوة الدليل الذي ورد هل هو قطعي الثبوت أم ظني ؟ إذ لذلك
أثره عند بعض الأصوليين ، وهو ما سنتطرق إليه في الصفحات القادمة إن شاء الله .
فالحرام أو
المحرم هو: ( ما طلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم واللزوم) ، فيكون التارك
مأجوراً مطيعاً – إن كان تركه حسبة لوجه الله تعالى – وفاعله آثم عاصٍ .
ويطلق على
الحرام أسماء كثيرة منها [13]
: المحظور ، والمعصية ، والممنوع ،
والعقوبة ، والمزجور عنه ، والقبيح ، والسيئة ، والحرج ، والفاحشة ، والإثم
... وغيرها .
وقد يُعبّر
عن المحرم بالمكروه ، وهذا منقول عن الإمام الشافعي ، إذ كثيراً ما كان يقول
: " أكره كذا " وهو يريد به
التحريم [14] .
[1] ) ابن منظور ، لسان العرب 12 / 120 ، الجوهري ، الصحاح 5 / 1897 ، معجم مقاييس اللغة 2 / 45 0
[2] ) الإمام البخاري ، الجامع الصحيح ـ كتاب البيوع ـ باب
الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشبهات 3 / 69 ، والإمام مسلم ـ صحيح مسلم
ـ كتاب المساقاة ـ باب أخذ الحلال وترك
الشبهات 3 / 1219 0
[3] ) ابن منظور ، لسان العرب 12 / 126 ، الجوهري ، الصحاح 5 / 1895 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 255 0
[4] ) الطبري ، جامع البيان 10 / 17 / 86 0
[5] ) المرجع نفسه 10
/ 17 / 86 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 255 0
[6] ) ابن النجار ، شرح الكوكب المنير 1 / 386 0
[7] ) منهم : الغزالي ، المستصفى 1 / 76 ، والطوفي ، شرح
مختصر الروضة 1 / 359 ، وابن
النجار ، شرح الكوكب المنير 1 /
386 0
[8] ) الغزالي ، المستصفى 1 / 76 0
[9] ) القرافي ، شرح تنقيح الفصول / 71 0
[10] ) المرداوي ، شرح
التحرير / شرح الكوكب المنير 1
/ 386 0
[11] ) الزركشي ، البحر المحيط 1 / 256 0
[12] ) يمكن أن يُمثل لذلك : بأكل لحم الميتة ، إذ هو محرم ولكن
لا بأس بالأكل عند الاضطرار ، ولا إثم في ذلك ، وكذا القتل خطأ : لا إثم على
القاتل خطأ مع أن فعله محرم ، وفي المقابل : من سرق مالاً ثم تبيّن أنه
مالُه الذي كان أودعه عند المسروق منه فهو آثم مع أن المال المسروق مالُه ، لأن
قصده لم يكن استيفاء ماله بل السرقة ،
الزركشي ، البحر المحيط 1 /
256 0
[13] ) الرازي ، المحصول 1 / 101 – 102 ، ابن جزي ، تقريب
الوصول / 101 – 102 الآمدي ، الإحكام
في أصول الأحكام 1 / 161 ، ابن النجار ، شرح الكوكب المنير 1 /
387 ، صفي الدين البغدادي ، قواعد الأصول ومعاقد الفصول / 10 ، الشوكاني ، إرشاد الفحول / 6 0
[14] ) الرازي ، المحصول
1 / 104 0
Post a Comment