التطابق بين الفعل والفاعل في العدد
المطابقة في العدد :
إنَّ ظاهرةَ المطابقة بين
الفعل وفاعله في العدد شغلت النحويين ، وأخذت حظاً وافراً من كتبهم ، فهم يعدون المطابقة
بين الفعل وفاعله ، تثنيةً وجمعاً ، ليس كــلام عامة العرب ، بل هو كلام طائفة مخصوصة
منهم ، وهم طيء ، وقيل هم أزد شنوءة ، وقيل بنو الحارث بن كعب .
فنقول : (قامَ زيدٌ) و
(قامَ الزيدان أو الهندان) و (قامَ الزيدون) و (قامَ الهنداتُ) ، ولا نقول : (قاما
الزيدان) و (قامتا الهندان) و (قاموا الزيدون) و (قُمْنَ الهنداتُ) ، إلا على هذه اللغة
، وقد سمَّاها النحاةُ : (لغة أكلوني البراغيثُ) ، وقد سمَّاها ابنُ مالك : (لغة يتعاقبون
فيكم ملائكةٌ) .
جاءَ في الكتاب :
" واعلمْ أنَّ من العرب من يقول : (ضربوني قومُكَ) و (ضرباني أخواكَ) ، فشبهوا
هذا بالتاءِ التي يُظهرونها في ( قالتْ فلانةُ ) ، وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامةً
كما جعلوا للمؤنثِ " .
ويقول ابنُ يعيش :
" وإذا قُلتَ : (قاما الزيدان) ، فالألفُ حرفٌ مؤذنٌ بأنَّ الفعلَ لاثنين ، وكذلك
إذا قُلتَ : (قاموا) ، فالواو حرفٌ مؤذنٌ بأن الفعلَ لجماعةٍ " .
وقد ترددت هذه اللغة في
كتب النحاة بين آخذٍ بها ، وبين رادٍ لها ، فسيبويه ينعتها بالقليلة ، ويتأول قوله
تعالى : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا (الأنبياء:3) على البدلية.
وقد جوَّزَ الفراءُ هذه
اللغة ، ووافقه الزمخشريُّ على ذلك ، ويقول ابنُ يعيش : " وهي لغةٌ فاشيةٌ لبعض
العرب ، كثيرةٌ في كلامهم وأشعارهم " .
إن القرآن الكريم قد استعمل
هذا التركيب ، وذلك في عدد من الآيات ، إلا أننا نجد أنَّ الجدل قد طال حولها ، فبعضهم
يحملها على هذه اللغة ، وبعضهم يتأول لها وجوهاً لا وجهاً واحداً ، تصل هذه الوجوه
في بعض الأحيان إلى أحدَ عشرَ وجهاً .
قال تعالى : ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا
كَثِيرٌ مِنْهُمْ (المائدة:71) ، قال الفراءُ في هذه الآية : " فقد يكون
رفعُ (كثيرٌ) من جهتين : أنَّ تُكِرَّ الفعلَ عليها ، تُريد : عَمِي وصَمَّ كثيرٌ منهم
، وإن شئتَ جعلتَ (عموا وصموا) فعلاً للكثير ، كما قال الشاعرُ :
يَلُومُونَنِي
في اشتِرَائي النَخِيـ ـــلَ أهلِــــي
فَكُلُّهُم ألْــــوَمُ
وهذا لمن قال : (قاَموا قومُكَ) ، وإن شئتَ جعلتَ الكثيرَ مصدراً ، فقلتَ أي
ذلك كثيرٌ منهم ، وهذا وجهٌ ثالثٌ ، ولو نصبتَ على هذا المعنى ، كان صواباً
" .
ويوافق الزمخشريُّ الفرَّاءَ
، فـ (كثيرٌ) إما بدلٌ من الضمير، أو فاعلٌ على لغة (أكلوني البراغيثُ) ، أو خبر مبتدأ
محذوفٍ ، والتقدير:أُولئكَ كثيرٌ منهم ، أما
النسفيُّ ، فيرى البدليةَ ، أو الخبرَ ، دونَ لغةِ (أكلوني البراغيثُ) ، وهو ما ذهبَ إليه أبو حيان ، مضعفاً وجهاً رابعاً
، وهو أن يكونَ (كثيرٌ) مبتدأً ، والجملةَ قبله خبراً له .
أما قوله تعالى : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا (الانبياء:3) ،فسيبويه يحمل الآيةَ على البدلية ، حيثُ يقول
: " وأما قوله جلَّ ثَناؤهُ :وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا ، فإنما يجيء على البدل ، وكأنه قال : انطلقوا ، فَقِيلَ له : من ؟
، قال : بنو فُلان " .
ويرى الفراءُ أنَّ (الذين)
مرفوعٌ على الاستئنافِ ، أو نعتٌ للناس في قوله تعالى:إقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُم (الانبياء:1) ،وهي هاهنا مخفوضةٌ ، أو إنَّ الآية على لغة
(أكلوني البراغيثُ) .
وزادَ صاحبُ مشكل إعراب
القرآن الرفعَ على إضمار (يقول) ، أو النصبَ على تقدير (أعني) ، ويذكر الزمخشريُّ البدليةََ ، أو لغةَ أكلوني
البراغيثُ ، أو النصبَ على الذم ، أو مبتدأ خبره ما قبله قُدِمَ عليه ،وهناكَ وجوهٌ
إعرابيةٌ أُخرى غير التي ذكرنا .
وقد ورد في القراءات القرآنية
ما يجري على هذه اللغة ، من ذلك قوله تعالى : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا (الاسراء:23) ،
فقد قرأ حمزةُ والكسائيُّ (يبلغان) ، بالألف على التثنية ، وبنون مشددة ، وقد نَسَبَ أبو حيان هذه القراءةَ بقوله :
" وهي قراءة السلمي وابنِ وثابٍ وطلحةَ والأعمشِ والجحدريِّ " ، ويرى أنَّ (أحدهما) فاعل ، والألفُ علامةُ تثنيةٍ
على لغة (أكلوني البراغيثُ) ، أو أنَّ (أحدهما) ، بدلٌ من الضمير في (يبلغان) .
وفي قوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون:1) ، يقول أبو حيان : " قال عيس
بن عمرَ : سمعتُ طلحةَ بنَ مصرف ، يقرأ : (قد أفلحوا المؤمنون) ، فقلتُ له أتلحنُ ؟
قال : نعم ، كما لحن أصحابي . انتهى ، يعني أنَّ مرجوعَهُ في القراءة إلى ما رُوي وليس
بلحنٍ ؛ لأنه على لغة (أكلوني البراغيثُ) " .
نستطيعُ القولَ : إنَّ
هذه اللغةَ لغة صحيحة ، جاءَ عليها القرآنُ الكريمُ في بعض المواضع ، وكذلك وردت هذه
اللغةُ في القراءات القرآنية ، فلا داعي ، لتأولها وحملها على وجوهٍ كثيرةٍ ، وواضحٌ
أنَّ هذا التأولُ والحملَ كان الغايةُ منه إخراجَ هذه اللغةِ من القرآنِ الكريمِ ،
لا سيما إنَّ هذه اللغة تأتي في إطار المحافظة على المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد
– مذكره ومؤنثه – " فظاهرةُ التطابقُ عمليةٌ تكادُ تكون عمليةً لا شعوريةً فطريةً
ساذجةً ، تتم في إطار المنطق والحس اللغويين ، أما ظاهرة عدم التطابق ، فهي عمليةٌ
تبدو فيها الصنعةُ ، ويظهر فيها عملُ العقلِ " .
وقد وردت هذه اللغة في
الحديث النبوي الشريف ، فقد جاءَ في صحيح البخاري ، أن رسولَ الله ، قال : " يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار ، ويجتمعون
في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلمُ بهم ،
كيفَ تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " ، وقد ذكر
مسلم في صحيحه هذا الحديث
باللفظ نفسه .
وبهذا الحديث سمى ابنُ
مالك هذه اللغة بقوله (لغة يتعاقبون فيكم ملائكةٌ) ، ولا داعي للقول بأنَّ هذه كلماتٌ مقتطعةٌ من حديثٍ
مطولٍ أصله في مسند البزار ، كما يقول الأشموني والصبان ، فإن الحكم بين الروايات الحديثية ، بالأرجحية
أو عدمها ، أمرٌ راجعٌ لأهل الحديث ، لا لغيرهم .
فابنُ حجرٍ يقول
" فالعزو إليهما أولى " ، يقصد العزو إلى الصحيحين ، أولى من العزو إلى مسندِ
البزار ، حول هذا الحديثِ ، وقد وردت هذه اللغةُ في أحاديثَ نبويةٍ شريفةٍ أُخرى .
وقد جاءت هذه اللغةُ في
الشعر كثيراً ، قال الفرزدقُ :
وَلَكِــنْ دِيَافِــيٌّ
أبـُـوهُ وأُمُّهُ بحورانَ يَعْصِرْن
السلِّيطَ أقَارِبُهْ
وقال أُحيةُ بنُ الجلاح :
يَلُومُونَنِي في اشتِرَاءِ
النَخِيـ ـــل أهلِــــي فَكُلُّهُم يعــــذلُ
وقال عبدُ اللهِ بنُ قيسٍ الرقيات :
تَولـى قِتَالَ
المــَارِقِينَ بِنَفسِهِ وَقــَد أســلَمَاهُ
مُــبعَدٌ وحَمِـيمُ
يُعرف النحاةُ التابع بأنه
" الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً " ، والتوابع خمسة : نعتٌ وتوكيدٌ
وعطفُ بيانٍ وعطفٌ بحرفٍ وبدلٌ ، جاء في الاُصول " هذه توابعُ الأسماء في إعرابها .
التوابعُ خمسةٌ : التوكيدُ والنعتُ وعطفُ البيان والبدلُ
والعطف بالحروف ، وهذه الخمسة ، أربعةٌ تتبع بغير متوسط ، والخامسُ وهو العطفُ ، لا
يتبع إلا بتوسط حرفٍ
Post a Comment