معنى الفرض ، وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : الفرض لغة :
 الفرضُ : مصدر فَرَضَ يفرِضُ فَرضاً ، وله معان كثيرة منها : الحزّ في الشيء : تقول : فرضتُ الزندَ والسواكَ [1] ، وفرض مسواكه : إذا حزّه بأسنانه ، وفَرْضُ القوس : هو الحزّ الذي يقع على الوتر ، والجمع : فِراض [2]، والمِفرَضُ : الحديدة التي يُحزّ بها .
ومنها : التقدير والقطع ، ومنه قوله تعالى : {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } (  البقرة237 ) ، أي : قدرتم . وفرض القاضي النفقة : إذا قدّرها .
ومنها : التوقيت [3]. ومنه قوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } (  البقرة197  ) ، فكل واجب مؤقت فهو مفروض [4] . والفرض : العطية الموسومة ، والفريضتان : الجذعة من الغنم ، والحقة من الإبل [5] .
والملاحظ في هذه المعاني تقاربها في معناها ، وما تدل عليه ، فهي تعني أكثر ما تعني التقدير والقطع ، وفيها معنى الضبط ووضوح المعالم إلى درجة لا يقع معها احتمال .
  فالمقدر معلوم ، والموسوم محدد ، والمؤقت بيّن ، والحزّ واضح المعالم ، ظاهر الأثر ، ثابت ، وفي ذلك قوة دلالة ، وقطع احتمال .
وقد أورد ابن النجار الحنبلي في كتابه شرح الكوكب المنير[6] عدة معان للفظ " فرض " مما هو وارد في استعمال القرآن الكريم ، ومن ذلك :
 1 . التقدير : ومنه قوله تعالى : {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } (  النساء7  ) ، وقوله تعالى : {لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } (  النساء118  ) . أي معلوماً مقدراً  .
  2 . الإلزام :      ومنه قوله تعالى : {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (  النور1 ) ، أي أوجبنا العمل بها .
 3 . الإنزال :   ومنه قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } (  القصص85 ) ، أي الذي أنزل عليك القرآن .
 4 . الإباحة :    ومنه قوله تعالى : {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } (  الأحزاب38 ) ، أي أباح له .
وقد يرد الفرض بمعنى السنة ، يُقال : فرض رسول الله r : أي سنّ . ومنه " فرض رسول الله r زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين " [7] .

الفرع الثاني : الفرض اصطلاحاً
  ذهب أبو علي الشاشي إلى تعريف الفرض بأنه : ( ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه ) [8]، وهذا التعريف ليس سليماً ، وليس بجامع ولا مانع ، إذ :
1 . لم يحدد التعريف الطلب بأنه طلب فعل أو طلب ترك ، فلم يمنع من دخول التحريم فيه .
2 . لم يحدد كذلك إن كان الثابت بالدليل القطعي مطلوباً طلباً جازماً أو غير جازم ، وبذلك يدخل الندب فيه ، لأن الندب قد يثبت بدليل قطعي ، كما قد يثبت بدليل ظني .
وكذلك قد تثبت الإباحة بدليل قطعي كما في قوله تعالى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } (  المائدة2 ) ، وهي تفيد الإباحة ، وليست الإباحة من الفرض .
وأما شمس الأئمة السرخسي فكان أكثر بياناً للفرض إذ قال : ( الفرض اسم مقدر شرعاً لا يحتمل الزيادة أو النقصان ، وهو مقطوع به لكونه ثابتاً بدليل موجب للعلم قطعاً من الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع ) [9]، وإلى مثل هذا التعريف ذهب أبو البركات النسفي [10].
أما عبد العزيز البخاري فكان أكثر ضبطاً لجوانب التعريف فقال: ( والصحيح ما قيل : الفرض ما ثبت بدليل قطعي واستحق الذم على تركه مطلقاً من غير عذر) [11].
قيود تعريفه :  قوله : " ما ثبت بدليل قطعي : "  يتناول أيضاً المندوب والمباح ، وكذا يمكن أن يدخل فيه الحرام " .
وقوله : واستحق الذم على تركه " : قيد يخرج به المندوب والمباح ، إذ لا ذمّ على تركهما ، وكذا الحرام إذ الذم على الفعل لا على الترك .
وبقوله : " مطلقاً " : قيد يحترز به عن الواجب الموسع إذا تركه في أول أوقات الإمكان ، كالصلاة في أول وقتها مع العزم على أدائها في آخره ، وعن ترك الصيام في السفر إلى القضاء ، فلا يُسمّى المؤخر تاركاً مطلقاً ، ولا يستحق الذم بسبب التأخير .
وبقوله : " من غير عذر " : يحترز عن المسافر والمريض إذا تركا الصيام بسبب السفر أو المرض ، وماتا قبل الإقامة ، وكذا الحائض إذا ماتت قبل تمكنها من القضاء ، كأن تموت في رمضان الذي أفطرت فيه بعض أيامه .
 فهؤلاء وأمثالهم وإن كانوا قد أفطروا ولم يقضوا أيام فطرهم ، إلا أنهم لا يستحقون الذم لأن تركهم كان بعذر .
قال صدر الشريعة : ( فإن كان الفعل أولى من الترك مع منعه ـ أي مع منع الترك ـ فإن كان هذا بدليل قطعي فالفعل فرض ) [12] .
 وبناءً على ما ذهب إليه الحنفية لا يكون المطلوب فرضاً إلا إذا كان طلب الفعل ثابتاً بدليل قطعي لا شبهة فيه ، كالكتاب أو السنة المتواترة ، أو إجماع الصحابة المنقول بالتواتر كإجماعهم على فرضية الصلاة ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج .... .
فالفرائض مقدرة شرعاً لا تحتمل زيادة ولا نقصاً ، فالإيمان ـ مثلاً ـ ثابت بدليل قطعي ، وهو مقدر بتصديق ما جاء به رسول الله r دون زيادة أو نقص ،فمن قال : أؤمن بما جاء من عند الله ومن عند غير الله لا يكون مؤمناً [13] ، ولا يجوز الزيادة على عدد الصلوات ولا النقص منها ، وكذا الصيام ، وما كان من مثله .
ويقصد الحنفية بالقطعية : أن يكون الدليل قطعياً في ثبوته سنداً ومتناً [14] .
وتسمى الفريضة مكتوبة ، لأنها كُتبت علينا في اللوح المحفوظ [15].


[1] ) الزبيدي ، تاج العروس  5 / 65 ، ابن منظور ، لسان العرب باب الضاد / فصل الفاء 7 / 205 ، الجوهري ،
      الصحاح  3 / 1097 ، الفيروز آبادي ، القاموس المحيط   3 / 372 0
[2] ) ابن منظور ، لسان العرب 7 / 206 ، الجوهري ، الصحاح 3 / 1097 0
[3] ) الزبيدي ، تاج العروس 5 / 65 ، الفيروز آبادي ، القاموس المحيط  3 / 372  0
[4] ) الزبيدي ، تاج العروس  5 / 65 ، ابن منظور ، لسان العرب 7  / 203  0
[5] ) ابن منظور ،  لسان العرب  7 / 203 0
[6] ) ابن النجار ، شرح الكوكب المنير 1 / 350 – 351 0
[7] ) البخاري ، الجامع الصحيح ، كتاب الزكاة ـ باب فرض صدقة الفطر 2 / 161 ، وأبو داود ، سنن أبي داود كتاب الزكاة ـ باب من روى نصف صاع من قمح 2 / 117 ، رقم 1622 ، والنسائي ، سنن النسائي ، كتاب الزكاة ـ باب ملكية زكاة الفطر 5 / 50 ـ 51 0
[8] ) الشاشي ، أصول الشاشي / 379 0
[9] ) السرخسي ، أصول السرخسي  1 / 110 0
[10] ) النسفي ، كشف الأسرار شرح المصنف على المنار 1/ 449  ـ  450 0
[11] ) البخاري ، كشف الأسرار 2 / 552 0
[12] ) صدر الشريعة ، التنقيح / التلويح 2 / 123 0
[13] ) البخاري ، كشف الأسرار 2 / 550 0
[14] ) ابن الهمام ، تيسير التحرير  2 /135 0
[15] ) البزدوي ، أصول البزدوي 2 / 549 ، السرخسي ، أصول السرخسي 1 / 110 ، البخاري ، كشف الأسرار 1 / 550 ، النسفي ، كشف الأسرار شرح المصنف على المنار 1 / 450 0

Post a Comment

Previous Post Next Post