تعريف الكراهة :
الفرع الأول : الكراهة لغة :
الكراهة ضد المحبة ، والمكروه ضد المحبوب ، مأخوذ من الكَرْه وهو ضد الرضا [1] ، ومنه قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (  البقرة 216 ) ، والكره : بالفتح والضم لغتان جيدتان بمعنى الإباء ، وقيل المشقة [2] .
 والكريهة : الحرب أو الشدة في الحرب [3] ، وأيضاً النازلة . وكرائه الدهر : نوازله [4] .
وذو الكريهة : السيف الصارم الماضي في الضريبة [5]. والكره : الجمل الشديد الرأس [6] .
فالكراهة ضد الرضا والمحبة ، وعلى هذا جاء قولهم: أمر كريه ، ووجه كريه ، وكره إليه البخل وحبب إليه الجود . وهذا المعنى هو الراجح في هذا الموضع .

الفرع الثاني : الكراهة اصطلاحاً :
 تعددت الألفاظ التي صاغ بها الأصوليون مفهومهم للكراهة ، ولكن تلك الألفاظ كانت متقاربة في مضمونها ، ومن تعريفاتهم :
 المكروه : " ما يُمدح تاركه ولا يُذم فاعله " [7] ، ومنهم من عرفه بأنه : " ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم " [8] . ومنها : " ما تركه خير من فعله " [9] .
و " ما ترجح تركه على فعله شرعاً من غير ذم "[10] ، و " كل منهي لا لوم على فعله " [11] .
والملاحظ في هذه التعريفات تقاربها واتفاقها على عدم ترتب العقاب على فعل المكروه ، مع أن الأولى تركه ، ولا مانع من فعله [12] .
فقولهم : " ما يُمدح شرعاً تاركه " : قيد مخرج لما يُمدح فاعله وهو الواجب والمندوب ، وكذا ما لا يُمدح فاعله أو تاركه ـ وهو المباح ـ ، ولكن يدخل فيه الحرام إذ يُمدح تاركه شرعاً .
وبقولهم : " ولا يُذم فاعله " : يخرج الحرام إذ إن فاعله مذموم شرعاً [13] .
التعريف المختار : على ضوء ما سبق فإنه يمكننا تعريف مفهوم الكراهة بأنه : " خطاب الشارع المتعلق بطلب الكف عن فعل طلباً غير جازم " .
قيود التعريف : " خطاب الشارع " : قيد يخرج به كل خطاب من غيره ، فكما لا يحل لأحد أن يوجب أو يحرم شيئاً لم يوجبه الله أو يحرمه ، فكذلك لا يحل لأحد أن يزعم أن شيئاً ما مكروه شرعاً إن لم يرد في الشرع ما يدل على كراهته بدليل قوله تعالى : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } (  النحل 116 ) .
" طلب الكف " : قيد يخرج به طلب الفعل ، وكذا ما لم يرد طلب بفعله أو تركه وهو المباح .
ولفظ " فعل " : يشمل أفعال الجوارح سواء كانت أفعالاً أو أقوالاً .
" طلباً غير جازم " : يخرج به طلب الكف الحتمي الجازم ، وهو التحريم وكراهة التحريم .
وأما بحسب الفقهاء فالكراهة : هي الأثر المترتب على خطاب الشـارع المتعلق بطلب الكف عن فعل طلباً غير جازم  .
والمكروه : ما ورد الخطاب الشرعي بطلب تركه طلباً غير جازم  .
ويمكن تعريف المكروه أيضاً بأنه : ما يُمدح تاركُه ولا يُذم فاعلُه . فالترك أولى من الفعل من غير أن يترتب على الفعل عقاب .
استعمال لفظ مكروه :  لا خلاف في أن المكروه منهي عنه من غير تحتم ، وأن تركه أولى من فعله ، وذلك أبعد للريبة وأنفى لها ، وأبرأ للذمة ، وأن تارك المكروه ممدوح .                       وقد يرد لفظ مكروه في وجوه متعددة منها :
1 .   الحرام [14] : ومنه قوله تعالى : {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } (  الإسراء 38 ) أي محرماً [15] . وقد نُقل عن الإمام الشافعي أنه كثيراً ما كان يقول : " أكره كذا " وهو يريد التحريم [16] .
ونقل الأثرم عن الإمام أحمد قوله :  ( تكره جلود الثعالب ) [17] ،  وهو يريد التحريم [18] .

وجاء في مختصر الخرقي : ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة . أي يحرم [19] . وقال ابن قدامة: ( ولا خلاف بين أصحابنا في أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام ) [20].
2 .   ما نُهي عنه نهي تنزيه : وهو المقصود بالبحث هنا ولا تحريم فيه ، وهو ما أشعر بأن تركه أولى من فعله ، وإن لم يكن عليه عقاب [21] .
3 .   ترك الأولى [22]: كترك صلاة الضحى : لكثرة الفضل في فعلها ، وكذا ترك غسل الجمعة مكروه مع أنه لا نهي فيه .
4 .   وقد يطلق اسم المكروه على ما في النفس منه حزازة [23] ، وهو ما وقعت الشبهة في  تحريمه [24] ، وإن كان غالب الظن حِلُّه [25] .



[1] ) السمرقندي ، ميزان الأصول 1 / 144 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 174 ، اللامشي ، كتاب في أصول الفقه / 61 ، العيني ، البناية في شرح الهداية 10 / 179 0
[2] ) الزبيدي ، تاج العروس 9 / 408 ، الجوهري ، الصحاح 6 / 2247 ، جمهرة اللغة 2 / 800 0
[3] ) الجوهري ، الصحاح 6 / 2247 ،  الفيومي ، المصباح المنير2 / 818 ، ابن الحاجب ، منتهى الوصول والأمل / 39 0
[4] ) الزبيدي ، تاج العروس 9 / 408  0
[5] ) المرجع نفسه 9 /408 ، الجوهري ، الصحاح 6 / 2247 0
[6] ) المرجع نفسه 6 / 2247  ، الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 174 0
[7] )  إمام الحرمين ، الورقات / شرح الورقات للعبادي / 29 ، الأصفهاني ، شرح المنهاج 1 / 61 ، ابن النجار ، شرح الكوكب المنير 1 / 413 ، الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 382 0
[8] ) ابن جزي ، تقريب الوصول  / 100 0
[9] ) ابن قدامة ، روضة الناظر 1 /123 ، السمرقندي ، ميزان الأصول  1 / 147 ، الماتريدي ، كتاب في أصول الفقه  / 61 ،  العيني ، البناية في شرح الهداية 10 / 180 0
[10] ) القرافي ، شرح تنقيح الفصول  / 71  0
[11] ) الغزالي ، المنخول  / 137 0
[12] ) التفتازاني ، التلويح 1 / 123 – 124 0
[13] ) الجزري ، معراج المنهاج  1 / 56 0
[14] ) الرازي ، المحصول 1 / 104 ، ابن الحاجب ، منتهى الوصول والأمل / 39 ، السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج 1 / 59 ، الفراء ، العدة في أصول الفقه 5 / 1630 ، ابن بدران ، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد / 63 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 291 0
[15] ) الفراء ، العدة في أصول الفقه 5 / 1630 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 291 ، ابن قدامة ، روضة الناظر 1 / 123 0
[16] ) الغزالي ، المستصفى 1 / 67 ، الرازي ، المحصول 1 / 104 0
[17] ) ورد عن أحمد روايتان في لباس جلود الثعالب ، الأولى بالإباحة ، والثانية بعدم الجواز ، /  ابن قدامة ، المغني 1 / 93 ، المرداوي ، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 1 / 90 ، د، المهنا ، مسائل الإمام أحمد 2 / 58 0
[18] ) الفراء ، العدة في أصول الفقه 5 / 1630 0
[19] ) مختصر الخرقي ، ابن قدامة ، المغني 1 / 92 0
[20] ) ابن قدامة ، المغني 1 / 92 ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ، وقال ابن قدامة ولا أعلم فيه خلافاً 0
[21] ) الغزالي ، المستصفى 1 / 67 ، السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج 1 / 59 0
[22] ) الرازي ، المحصول 1 / 104 ، الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 174 0
[23] ) ابن الحاجب ، منتهى الوصول والأمل / 39 ، الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 174 0
[24] ) الغزالي ، المستصفى 1 / 67 0
[25] ) الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 174 0

Post a Comment

Previous Post Next Post