التطابق بين المبتدا والخبر
المطابقة بين المبتدأ والخبر
أنَّ المبتدأ والخبرَ نوعان : مبتدأ
له خبرٌ ، ومبتدأ له فاعلٌ يسد مسد الخبر ، والمطابقة بينهما تختلفُ بحسبِ نوعيهما
، فالمطابقة في النوعِ الأولِ تتمثلُ في العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير
إن من أبرز العلاقات بين المسند والمسند إليه ، المطابقةَ
، وتتمثل في الجنس من تذكير وتأنيث ، وفي العدد من إفراد وتثنية وجمع ، وفي التعريف
والتنكير ، هذا في المبتدأ والخبر ، أما المطابقة بين الفعل والفاعل فتتمثل في الجنس
وفي العدد فقط .
المطابقة بين المبتدأ
وبين الخبر :
اشترطَ النحاةُ التطابقَ بين المبتدأ والخبر في الجنس والعدد
، ولم يشترطوا ذلك في التعريف والتنكير ، إذ قد يتفقان ، وقد يختلفان ، وهو الأصل كما
سيجيء .
يقول الدماميني : " (و) يجب (أن يكون) هو ، أي الخبر
(طبق المبتدأ) في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع مدة ( ما أمكن) ذلك
"1.
والمبتدأ في العربية
على ضربين :
الأول منهما : مبتدأ يتبعه خبرٌ ، والثاني : مبتدأ له فاعلٌ يسد مسد الخبر ،
وغالباً ما يكون هذا المبتدأ مسبوقاً بنفي أو استفهام .
يقول ابنُ الحاجب " فالمبتدأ هو الاسمُ المجردُ عن العوامل
اللفظية مسنداً إليه ، أو الصفةُ الواقعةُ بعد حرف النفي وألف الإستفهام ، رافعةً لظاهر
، مثل (زيدٌ قائمٌ) و(ما قائمٌ الزيدانِ) و (أقائمٌ الزيدان) ".2
وجاء في شرح شذور
الذهب : " وأقول الثالث من المرفوعات المبتدأ ، وهو نوعان : مبتدأ له خبر ، وهو
الغالب ، ومبتدأ ليس له خبر ، لكن له مرفوع يغني عن الخبر " 3.
وقد ورد المبتدأ
والخبر في القرآن الكريم من النوع الأول بكثرة ، أما النوع الثاني ، فقد وردت منه آيات
معدودة ، وإن النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين المبتدأ وخبره في أغلب الآيات
القرآنية ، إلا في مواطن محددة جاء ظاهرها عدم التطابق ، ولهذا أسبابهُ وغايتهُ البيانية
.
وإننا لو رجعنا
إلى تأويل مثل هذه الآيات ، لوجدناها جاريةً على أُسلوب المطابقة بين المبتدأ والخبر
.
أولاً : المبتدأ الذي له خبر:
والمطابقة في هذا النوع كما يأتي :
أ- المطابقة في الإفراد، تذكيراً وتأنيثاً .
ب- المطابقة في التثنية، تذكيراً وتأنيثاً .
ج- المطابقة في الجمع، تذكيراً وتأنيثاً .
د-المطابقة في التعريف والتنكير .
أ- المطابقةُ في الإفراد، تذكيراً وتأنيثاً :
1- المبتدأ مفردٌ
مذكرٌ والخبرُ مفردٌ مذكرٌ :
وقد ورد بكثرةٍ في القرآن الكريم ، فمن ذلك قوله تعالـــى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة:2) ، وقوله
تعالى : ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (آل عمران:14) ،
وقوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ
دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (النساء:125) ، وقوله تعالى
: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (الأعراف:68) ،
وقوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّه (الفتح:29) ، وغير ذلك كثير1
، فنحن نلاحظ أن الخبر قد جاء مطابقاً للمبتدأ إفراداً وتذكيراً
.
ما ظاهرهُ عدم المطابقة :
قد ورد في القرآن الكريم ما ظاهره عدم المطابقة بين المبتدأ
والخبر في الإفراد والتذكير ، وبالرجوع إلى تأويل مثل هذه الآيات لا نجد إشكالاً فيها
من حيثُ المطابقة وذلك في قوله تعالى : وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ
بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ
مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف:203) وقوله
تعالى : هَذَا بَصَائِرُ
لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (الجاثـية:20) ، فقد أخبر عن اسم الإشارة المفرد
المذكر ( هَذَا ) ، بجمعٍ مؤنث ( بَصَائِر) ، وتأويل ذلك : لما كان القرآن يحوي سوراً
وآياتٍ وبراهينَ كثيرة ؛ فإن معناه الجمع ؛ ولذلك جاز الإخبار عنه بالجمع
.
يقول أبو حيان
: " هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ،أي هذا الموحى إليَّ الذي أنا أتبعه لا أبتدعه
، وهو القرآنُ ،(بصائر)، أي حججٌ وبيناتٌ يُبصر بها وتتضح الأشياءُ الخفياتُ ، وهو
جمع بصيرة كقوله : عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أي على أمرٍ جليٍّ
منكشفٍ ، وأخبر عن الجمع بمفردٍ لاشتماله على سورٍ وآياتٍ "1،فجعل تلك السور والآيات
وما تحويه من البراهين والدلائل والأحكام ، بمنزلة البصائر في القلوب .2
أو يكون على حذف
مضافٍ والتقدير: هذا – أي القرآن – ذو بصائر ،وبهذا تتم المطابقة 3، وقد قرئ (هذه بصائر)
4.
وقال تعالـى:بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (العنكبوت:49 )
، فقد اخبر عن الضمير المفرد المذكر (هو) ،بجمع مؤنث (أيآت) ، وأُختلف في هذا الضمير
، أيرجعُ إلى المصطفى ،
أم إلى القرآن الكريم ؟ قولان :
الأول : ذهب ابنُ
عباس وقتادةُ إلى أن الضميرَ يرجعُ إلى المصطفى 5 ، ويكون التقدير " بل محمدٌ آياتٌ بيناتٌ ، أي ذو آياتٍ بيناتٍ
"6 ، وبهذا تتم المطابقةُ بين المبتدأ والخبر.
أما القول الآخر ، فيرى أن الضمير يرجع إلى القرآن الكريم
، جاء في معاني القرآن : "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَات،
يريد القرآن " ، وهو الراجحُ ، حيثُ
يقول الفراءُ " ثم قال : (بل هو آياتٌ
بيناتٌ) ، يريد القرآن ، وفي قراءة عبد الله (بل هي آيات) " ، ويكون المعنى :
بل آيات القرآن آيات بينات ، والمطابقة تتم
أيضاً في هذا المعنى ،ومما يؤيد أن المراد بهذا الضمير القرآن الكريم ، ورود لفظ (الكتاب)
في خمس آيات من هذه السورة ، فضلاً عن ورود لفظ (الآيات) في أربع آيات من السورة نفسها .
واستعمالُ ضمير
المفرد المذكر (هو) ، في غير قراءة عبد الـله بن مسعود ، وإن كان المشار إليه آيات
القرآن ، دلالةٌ على عظم هذه الآيات ، وزيادة في علُوِّ شأنها ومكانتها
.
وقال تعالى
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (ص:58) ، فقد أخبر عن المفرد المذكر (آخر) ،بجمعٍ
مذكر (أزواج) ،وجاز هذا ؛ لأن معنى (آخر) ،المصدر فقد قال تعالى
: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ
أَزْوَاجٌ (صّ:57-58) ، أي
ولنعذبهم عذاباً آخر" وإذا كان المعنى للفعل خُبِّر عن الواحد باثنين وجماعة كما
تقول عذاب فلان ضربان وعذابه ضروبٌ شتى " ، أو جاز ذلك لأن العذاب متعدد ؛ فسمى
" كل جزءٍ من ذلك الآخر باسم الكل "
، وقد قرأ الحسنُ ومجاهد والجحدريُّ وابنُ جُبير وعيسى وأبو عمرو (أُخر) على
الجمع ، وبكلا القراءتين ومعنييهما تتم المطابقةُ
بين المبتدأ والخبر .
وقال تعالى
: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (القيامة:14) ، فقد أنَّثَ الخبر المفرد (بصيرة)
، مع تذكير المبتدأ المفرد (الإنسان) ، وقد ورد لفظ (الإنسان) في القرآن الكريم خمساً
وأربعين مرةً ، لا يوجد في أيِّ موضع من تلك المواضع ما يشير إلى تأنيثه ، ومن ذلك
- على سبيل المثال- قوله تعالى : وَإِذَا مَسَّ
الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ (يونس:12) ، وقوله تعالى
: أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ
مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (يّـس:77) .
والسبب في هذا
التأنيث يرجعُ إلى الحمل على المعنى ، فالبصيرة بمعنى شاهد ، وهو شهود الجوارح ، وهذا
تفسير ابن عباس ومجاهد1، فاللهُ تعالى يقول : يَوْمَ تَشْهد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النور:24) ، ويقول
أيضاً : الْيَوْمَ نَخْتِمُ
عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (يّـس:65)
.
أو إنَّ الهاء
دخلت للمبالغة ، كقولنا : (زيدٌ علامةٌ) 2، ووجه ثالث وهو : " لما كان معناه حجة
على نفسه ؛ دخلت لتأنيث الحجة "3 ، ومن خلال هذا التأويل تتم المطابقة بين المبتدأ
والخبر تذكيراً وتأنيثاً .
2- المبتدأ مفرد مؤنث
والخبر مفرد مؤنث :
فلا يخبرعن المفرد
المؤنث بمفردٍ مذكرٍ ، أو مثنىً أو جمعٍ مذكرٍ أو مؤنثٍ 4 .
إنَّ ورودَ المبتدأ
والخبر مفردين مؤنثين في القرآن الكريم أقلُّ من ورودهما مفردين مذكرين ، فمن ذلك قولُه
تعالى : أَوْ كَالَّذِي
مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (البقرة:259) ،
وقوله تعالى : قَدْ كَانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ (آل عمران:13) ،
وقوله تعالى : مَا الْمَسِيحُ
ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ
كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ (المائدة:75) ،
وغير ذلك .
ما ظاهره عدم المطابقة
:
ورد في بعض المواطن في القرآن الكريم ما ظاهره المخالفة بين
المبتدأ والخبر، قال تعالى : قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِر (آل عمران:40) ، فقد أخبر عــــن
المفرد المؤثث (امرأتي) ، بمفرد مذكر (عاقر) ، والقول في هذه الآية من وجهين
:
الأول : إن لفظ (عاقر) من الألفاظ التي يستوي فيها المذكرُ والمؤنثُ على حدٍ
سواء ، فنقول : (رجلٌ عاقرٌ) ، و (امرأةٌ عاقرٌ) .
الآخر : حملُ الآية على النسبِ ، فعاقرٌ أي ذاتُ عقر، ومعناه مفعول أي معقورة
، " وإنما قيل عاقر ؛ لأنه يراد بها ذات
عقر على النسب ، ولو كان على الفعل لقال : عقرت ، فهي عقيرة ، كأن بها عقراً أي : كبراً
من السن يمنعها من الولد " ، وبهذا تتم
المطابقة بين المبتدأ والخبر إفراداً وتأنيثاً .
وقال تعالى
: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ
اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم (المائدة:106) ، فأخبر عن
المبتدأ المفرد المؤنث (شهادة ) ، بمثنىً مذكر (اثنان) ، وتُحمل
هــــذه الآيةُ على حذف مضاف من (اثنان) ، والتقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين، يقول أبو حيان :" واحتِيجَ إلى الحذف ليطابق
المبتدأُ الخبرَ"
.
ويقول الألوسي : " وأُلتُزِمَ ذلك ليتصادقَ المبتدأُ
والخبرُ " ، وهناك رأيٌّ يقولُ : إن (اثنان) ، مرتفع على الفاعلية ، والتقدير
: ليشهد اثنان .
وقال تعالى
: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (يّـس:78) ، فقد أخبر عن المفرد المؤنث (هي) ،
بمفرد مذكر (رميم) ، ولم يقل (رميمة) ، والقول في هذه الآية من ثلاثة أوجه
:
الأول :
إن لفظ (رميم) على وزن فعيل ، وهذا الوزن يستوي فيه المذكرُ
والمؤنثُ ، والمفردُ والمثنى والجمعُ ، جاء في لسان العرب ، " إنما قال تعالى
( وهي رميم ) ؛ لان فعيلاً وفعولاً قد استوى فيهما المؤنثُ والمذكرُ والجمعُ ، مثل
: رسول وعدو وصديق " ، ويقول الشوكاني
: " والأولى أن يقال فيه أنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، وهو يستوي فيه المذكرُ
والمؤنثُ كما قيل في جريح وصبور "
. الثاني :
إن لفظ (رميم) معدول عن (رميمة) ، أي معدول عن (فاعلة) ،
" وإنما قال رميم ولم يقل (رميمة) ؛ لأنها معدولة عن (فاعلة) ، وما كان معدولاً
عن وجهه ووزنه ، كان مصروفاً عن
إعرابه ، كقوله تعالى : وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً، أسقط الهاءَ
؛ لأنها مصروفةٌ عن باغيةٍ "
الثالث :
حَملُ الآية على
المعنى ، فـ (رميم) بمعنى (بالية) ، يقول القرطبي :" قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ
وَهِيَ رَمِيمٌ ، أي باليةٌ ، رمَّ العظمُ فهو رميمٌ ورمامُ
" ، وهو الذي أراهُ ؛ فإن العدولَ عن لفظٍ إلى آخرَ في القرآن الكريم ، لا يكون
إلا لغاية جمالية ، فلو رجعنا إلى تفسير هذه الآية ، لوجدناها قد نزلت في أحد المعاندين
والمنكرين للبعث ، فقد أتى اُبيُّ بنُ أبي خلفٍ إلى المصطفى ،
وفي يده عظمٌ قد بلى ، فقال للنبي :
" أترى الله يحيي هذا بعدما رمَّ ؟ فقال : نعم ، ويبعثكَ
ويدخلكَ النار"
.
فنحن نلاحظ أن
هذا الكافر أراد أن يستنكر قدرة الله تعالى على البعث والنشور ، فجاء بعظم قد أبلته
السنون ، عادلاً في خطابه للمصطفى ،
عن استعمال لفظ (بالية) - مثلاً - إلى لفظ (رميم) ، تأكيداً وإنكاراً منه على أن لا
مجال لإحياء الموتى من هذه العظام التي أهلكها مرُّ الليالي والأيام ، وهذا المعنى
لا يمكن لأي لفظة أُخرى أن تؤديه ، فقد تكرر فيها صوت (الميم)، وهو من الأصوات المتوسطة
بين الشدة والرخاوة ، والذي يحدث حفيفاً عند النطق به وهذا الحفيف يُقرب هذه الأصوات
من الأصوات الرخوة ، وكل هذه الصفات تُناسب
الهلاك الذي أصاب هذه العظام ، فاللفظة مختارة بدقة من بين عدد من الألفاظ ، فحتم هذا
الاختيار دقةََ معنى الجملة ، والمناسبةَ مع السياق العام .
وقال تعالى
: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (المزمل:18) ، فقال :( منفطر) ولم يقل :(منفطرة)
.
والقول في هذه الآية من أربعة أوجه :
الأول
:
إن لفظ (السماء) يذكر ويؤنث ، يقول الفراء : " وقوله
عز وجلَّ :السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ ،
بذلك اليوم ، والسماء تُذكر وتؤنث ، فهي ها هنا في وجه التذكير ، قال الشاعر
:
فَلَو رَفَعَ السَّمَاءُ إلَيهِ قَومَاً لَحقنا بالنُجُومِ مَعَ السَحَابِ "
الثاني :
حملها على النسب ، أي ذاتُ انفطار .
الثالث :
إنَّ السماءَ بمعنى السقف ، يقول الزمخشـــــــريُّ :
" أو على تأويل السماء بالســقف "
،
ونسب القرطبي هذا
القول إلى أبى عمرو بن العلاء " وقال
أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة لان مجازها السقف ، تقول : هذا سماء البيت … وفي
التنزيل : وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً " .
الرابع :
جَعلُ (منفطرة) بمعنى (متشققة) ، يقول القرطبي : " قوله
تعالى: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ
بِه ،
أي متشققة لشدته " ، ونؤيدُ ذلك
؛ فإن استعمال (منفطر) بدلاً من (متشققة) أدلُّ على شدة ذلك اليوم الذي يجعل الولدان
شيباً ، يومٌ يذهل المرضعة عما أرضعت ، وتضع فيه ولهوله كلُّ ذات حملٍ حملَها ،وتشخص
فيه الأبصارُ وتبلغ القلوبُ الحناجرَ،فهو يومٌ عصيبٌ شديدٌ ، يحتاج إلى لفظ يدل على
شدة هوله وعظمته ،فاستخدامُ هذا اللفظ بصيغة التذكير يجعل دلالةَ المعنى أقوى وأشد
رهبةً في نفس السامع ، مما لو استخدم لفظاً مؤنثاً.
ب- المطابقة في
التثنية ، تذكيراً وتأنيثاً :
كما ذكرنا سابقاً
، إنَّ المبتدأ والخبر لا بُدَّ لهما من التطابق في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير
والتأنيث ، فكما لا يُخبر عن المفرد - مذكره و مؤنثه - إلا بما يُطابقهُ ، فلا يُخبر
عن المثنى – مُذكرهِ ومؤنثهِ – إلا بما يُطابقه .
لو تتبعنا مجئ المثنى في القرآن الكريم ، مبتدأ وخبراً ، لوجدناه قليل الورود
، وبالرغم من هذه القلة ، ورد ما ظاهره عدم التطابق بين المبتدأ والخبر ، لكن هذا لا
يقودنا إلى القول إنَّ صيغة المثنى مترددة وغير ثابتة ، أو أنها داخلة في حيز الجمع ، فـالآيات التي ظاهرها عدمُ التطابق ، سواء في
باب المبتدأ والخبر أو في باب الفعل والفاعل ، تحتمل التأويل ، ولم يكن هذا الخروج
إلا لجمال النص والدعوة إلى التفكر فيه .
ومن مجئ كلٍّ من
المبتدأ والخبر مثنىً مذكراً ، قوله تعالى : فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا
إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا (المائدة:107) ،
وقوله تعالى هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ (الحج:19) ، وقوله
تعالى : قَالُوا سِحْرَانِ
تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (القصص:48) .
فنحن نلاحظ أن المطابقة قد تمت بين المبتدأ والخبر ، وإن
جاء الخبر في أغلبها فعلاً مسنداً إلى ألف الاثنين ، أما مثال المبتدأ والخبر المثنى
المؤنث ، فنحو قوله تعالى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ
يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ
مَبْسُوطَتَانِ (المائدة:64) .
ما ظاهره عدم المطابقة :
وقد جاء موطنٌ واحدٌ ظاهره أنه مخالفة بين المبتدأ وخبره
المثنى المؤنث ، وذلك في قوله تعالى : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ
آتَتْ أُكُلَهَا (الكهف:33) ،فقال (آتت) ، ولم يقل (آتتا) مطابقة
للمبتدأ (كلتا) ، ويعلل العلماءُ هذا ، بأن (كلتا) وإن كانت تدل على مثنىً مؤنث ، إلا
أن لفظها مفردٌ، فقد جاء الخبرُ مفرداً حملاً على لفظ (كلتا) ، يقول العكبريُّ :
" (كلتا الجنتين) ، مبتدأ ، و (آتت) خبرهُ ، وأفرد الضميرَ حملاً على لفظ (كلتا)
" .
أو إن هذه التثنية
ليست مقصودة حقيقةً ، وإنما المرادُ أن لهذه الجنة وجهين ، فإذا نظرتَ يميناً أو شمالاً
رأيتَ في كلتا الناحيتين ما تقرُّ به عينُكَ و يملأ قلبَكَ بهجةً و مسرَّةً ، فالإخبارُ
في حقيقتهِ يعودُ إلى مفرد مؤنث وهو الجنة ، فما أعظمَ هذا الإعجاز ، ودقة الاختيار
، فلا يصلح لهذا المعنى إلا ما اختاره القرآنُ العظيمُ له .
ج- المطابقة بين المبتدأ والخبر في الجمع تذكيراً وتأنيثاً
:
1– المبتدأ جمع مذكر
والخبر جمع مذكر :
ورد المبتدأ والخبر
جمعاً مذكراً بكثرة في القرآن الكريم ، وفي كلِّ مواطن وروده قد تمت المطابقةُ ، إلا
في مواطنَ معدودةٍ ، جاء الخبرُ فيها مخالفاً للمبتدأ ، وذلك لأسباب نعرفها في مواطنها
.
فمثال المطابقة
قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة:11) ،وقوله تعالى
: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ (النساء: 18) ،
وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا
يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ (المائدة:1) ، وقوله
تعالى : سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (الأعراف:193) ،
وغير ذلك .
ما ظاهره عدم المطابقة :
وذلك نحو قوله
تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (التوبة:28) ، فقد
اخبر عن الجمع المذكر (المشركون) ، بمفرد مذكر (نجس) ، ولم يقل (أنجاس) مثلاً
.
إنَّ سببَ إفراد
الخبر ، راجعٌ إلى كون (نجس) مصدراً ، والمصادرُ لا تُثنى ولا تجمع ، بل هي مفردةٌ
على كلِّ حالٍ ، يقول البغوي : " وهومصدرٌ يستوي فيه الذكرُ والأُنثى ، والتثنية
والجمعُ " ، ويقول القرطبي : " يٌقال: (رجلٌ نَجَسٌ) و(امرأةٌ نَجَسٌ) ،
و(رجلان نَجَسٌ) و(امرأتان نَجَسٌ) ، و(رجالٌ نَجَسٌ) و(نساءٌ نَجَسٌ) ، لايُثنى ولا
يُجمع ؛ لأنه مصدرٌ "
.
إنَّ العدول عن
لفظ (أنجاس) وغيره من الألفاظ التي تدل على قبح المشركين ، إلى لفظ المصدر (نَجَسٌ)
، جاء ليقرر معنىً خاصاً وفريداً ، ألا وهو أن المشركين هم النجاسة عينها
.
وقال تعالى
: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ
طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (إبراهيم:43) ، فلم يتاطبق المبتدأ (أفئدتهم) مع خبره (هواء)
.
والقول في هذه
الآية من وجهين :
الأول:
حملُ الآية على
المعنى ، فالمقصود بـ (هواء) أنها فارغةٌ وخربةٌ وخاويةٌ ، يقول العكبريُّ
:
" فإن قيل كيف أفرد
هواء وهو خبر لجمع ، قيل لما كان معنى (هواء) ها هنا فارغة متخرقة ، أفرد ، كما يجوز
إفراد فارغة ؛ لأن تاء التأنيث فيها تدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم ، ومثله
(أحوالٌ صعبةٌ ، وأفعالٌ فاسدةٌ) ، وغير ذلك . " 1
الآخر :
إنَّ الهواءَ مصدرٌ ، وكما قلنا إن المصادرَ مفردةٌ في كلِّ
حالٍ ، ولا يخفى ما في هذا الرأي من بلاغةٍ وروعةٍ ودقةٍ في التعبيرِ ، فقد جعل القلوبَ
هي عين الهواء ؛ لشدة حيرتها وذهولها من فزعِ ذلك اليوم العظيم ، فهي مضطربةٌ جائشةٌ
في صدور المجرمين ، " وإنها تجئ وتذهب وتبلغ على ما رُوي ، حناجرَهم فهي في ذلك
كالهواء الذي هو أبداً في اضطرابٍ "2.
وما كان الخروج
عن المطابقة في هذه المواطنِ ، إلا زيادةَ بلاغةٍ وإبداعٍ في النصِ القرآنيِّ
.
2- المبتدأ جمعٌ مؤنثٌ
والخبرُ جمعٌ مؤنثٌ :
وهو قليلُ الورود
في القرآنِ الكريمِ ، وقد طابق الخبرُ المبتدأ في كلِّ مواضع الورود ، إلا في موضعٍ
واحدٍ .
فمثالُ المطابقة
قولُه تعالى : ألر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (يونس:1) ، وقوله تعالى : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (يوسف:1) ، وغير ذلك3.
ما ظاهره عدم المطابقة
:
أما الموطنُ الذي
لم تتم فيه المطابقةُ ، فهو قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ (آل عمران:7) ، فقد أخبر عن الجمع المؤنث (هنَّ)
، بمفرد مؤنث (أمُّ) .
والحديث في هذه
الآية من ثلاثة أوجه : -
أولها
:
أراد بهذا التعبير أنَّ الآياتِ تُعدَّ آيةً واحدةً ، أي
أنَّ آياتِ القرآن عبارة عن معجزة واحدة ، فالآيات كأنها آية واحدة في بلاغتها ودقة
نظمها وإعجازها ، فأفرد على هذا المعنى .
ثانيها
:
الاكتفاء بالمفرد عن الجمع " كما قال علقمة الفحل :
بِهَا جِيَفُ الحَسَرى فأمَّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ وأمَّا جِلدُها فَصَلِيبُ
.
إنما يريد جلودها
فوحد ؛ لأنه قد عُلم أنَّه لا يكون للجماعةِ جلدٌ . "
ثالثها :
إنَّ كلَّ آيةٍ من آياتِ القرآن الكريم أُمُّ الكتابِ ،
" كما قال الله تعالى : فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ ،
أي فاجلدوا كُلَّ واحد منهم "
والوجه الأول أولى
؛ لقوة بلاغته ، فإن البارئَ عزَّ وجلَّ قد عدل عن لفظ (أُمهات) إلى لفظ (أُمُّ) ؛
ليبين أنَّ آيات القرآن كلها تعدل آيةً واحدةً ، فعلى الرغم من أنَّ كُلَّ آياتِ الكتابِ
مُعجَزَةٌ ، لم يستطعْ العربُ أن يقاربوا إعجازها ، فكيف يأتوا بمثلها ؟ وكيف إذا كان
كُلُّ هذا يعدل آيةً واحدةً ؟ فالمسألة
أصعبُ ، والتحدي أكبرُ .
د- المطابقة بين المبتدأ والخبر تعريفاً وتنكيراً
:
لا تُشترطُ المطابقةُ
في التعريف والتنكير بين المبتدأ والخبر ، وكما هو معروف ، إنَّ غايةَ الكلام وهدفَه
إفهامُ السامع ما يجهلُ ، وإعلامه به ، فإنه يتحتم على المتكلم في أغلب الأحوال أنَّ
يبدأ كلامَه بما يعرفهُ السامعُ ويفهمهُ ، وهذا لا يكون إلا بالمعرفة أو ما يُجاريها
.
والأصلُ في باب
المبتدأ والخبر أنَّ يُبتدأ بالمعرفة ، ويُخبر عنها بالنكرة ، فـ " الابتداء إنما
هو خبرٌ ، وأحسنه إذا اجتمع نكرةٌ ومعرفةٌ أنَّ يُبتدأ بالأعرف ، وهو أصلُ الكلام
"
يقول المبردُ
: " فأما المبتدأ فلا يكون إلا معرفةً أو ما قاربَ المعرفةََ من النكرات ، ألا
ترى أنك لو قلتَ : (رجل قائمٌ) ، أو (رجلٌ ظريفٌ) ، لم تُفد السامعَ شيئاً ؛ لأنَّ
هذا لا يُستنكر أن يكونَ مثلُه كثيراً " .
وقد يُطابق المبتدأ
الخبرَ في التعريف ، جاء في كتاب الأصول : " الثاني : أن يكون المبتدأ معرفةً
والخبرُ معرفة ، نحو: زيدٌ أخوكَ ، وأنتَ تُريدُ أنه أخوه من النسب ، وهذا ونحوه إنما
يجوز إذا كان المخاطبُ يعرف زيداً على انفراده ولا يعلم أنه أخوه 000 ولا يدري أنه
زيدٌ هذا ، فتقول له : أنتَ زيدٌ أخوكَ ، أي
هذا الذي عرفته هو أخوكَ الذي كُنتَ علمته ، فتكون الفائدة في اجتماعهما ، وذلك هو
الذي استفاده المخاطبُ ، فمتى كان الخبرُ عن المعرفةِ معرفةً ، فإنما الفائدة في مجموعهما "
أما الصورة الثالثة
، فهي مجيء المبتدأ نكرةً وكذا خبره ، وهذه الصورة أيضا مظهرٌ من مظاهر المطابقة بين
المبتدأ والخبر ، وهذا وإن كان أصله غير جائز ، إلا أنه يجوز إذا وُجدَ تخصيصٌ للمبتدأ
النكرة ، " والضرب الثالث أن يكونا نكرتين ، كقولك : (رجلٌ من قبيلةِ كذا عالمٌ)
، والإخبار بالنكرة عن النكرة غيرُ مستقيم في الأصل ؛ إذ إسنادُ المجهولِ لا نصيبَ
لهُ في الإفادةِ ، فإنما تأتي النكرتان إذا وُجدَ تخصصٌ ، كما فعلتَ في تخصيصكَ (رجلٌ)
، بقولكَ (من قبيلةِ كذا) "
.
إذن ، فمدارُ الحديثِ
حولَ ما يجوزُ وما لا يجوزُ من تعريفِ المبتدأ والخبرِ أو تنكيرهما ، هو فائدةُ السامعِ
، فمتى ما حصلتْ الفائدةُ ، جازَ الكلامُ .
إن تطبيقَ تلك
الصور التي تحدثنا عنها ، جاء في القرآن الكريم بنسبٍ متفاوتة ، فالصورة الأولى كان
لها النصيب الأكبر في القرآن الكريم ؛ لكونها الأصلَ في هذا الباب ، أما الصورة الثانية
فهي أقلُّ من الأولى ، وأما الثالثة فأقلُّ منهما ، فمثال المبتدأ المعرفة وخبره النكرة
، قوله تعالى : إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ (البقرة:11) ، وقوله
تعالى : وَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا (البقرة:259) ، وقوله تعالى
: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
فِي الْمِحْرَابِ (آل عمران:39)
.
أما مثال تطابق المبتدأ و الخبر تعريفاً ، فنحو قوله تعالى
:وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:160) ،
وقوله تعالى : أَفَإِنْ مِتَّ
فَهُمُ الْخَالِدُونَ (الأنبياء:34) ،
وقوله تعالى : أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (الأنبياء:44).
وأما مثال تطابق
المبتدأ والخبر تنكيراً فنحو قوله تعالى
: قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ (البقرة:217) ،
وقوله تعالـــى : قُلْ إِصْلاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ (البقرة:220)
ثانياً : المبتدأ الذي له فاعلٌ يسدُ مسدَّ الخبر:
لقد اعترض بعضُ
الدارسين على جعل هذا التركيب من باب المبتدأ والخبر ، قال الدكتور مهدي المخزومي
: " أما قولنا : أقائمٌ الرجلان ؟ أو قائمٌ الرجلان ، فرفعهُ لا يعني شيئاً ،
ولا دلالةَ لهُ على معنىً إعرابي يقتضي الرفعَ ، ولهذا كان من السخفِ القولُ بأنه مرفوعٌ
على الابتداء ، كما زعم البصريون ، وأنه مبتدأ سدَّ فاعلُهُ مسدَّ خبرهِ
" .
ورأي الدكتور المخزومي
أتى من الاعتقاد بأن صيغة (فاعل) فعليةٌ في اللفظ والمعنى ، وهذه الصيغة وإن وقعت في
سياق النفي أو الاستفهام ، فإنَّ كنهها وحقيقتها لا تتغير ولا تتبدل ، ومن هذا المنطلق
تحامل الدكتور المخزومي على البصريين ؛ لأنهم لم يعدوا هذه الصيغة ضمن أبنية الأفعال
.
ولا نؤيدُ ما ذهبَ
إليه ، فالكوفيون كما ذكر النحاةُ لا يختلفون مع البصريين في أصل المسألة ، لكون الوصف
مبتدأ ، والمرفوع فاعلاً يسدُ مسدُّ الخبر ، يقول ابنُ عقيل : " ومذهب البصريين
- إلا الأخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ ، إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام ، وذهب
الأخفشُ والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك ، فأجازوا (قائمٌ الزيدان) ، فقائم : مبتدأ ،
والزيدان : فاعلٌ سدَّ مسدَّ الخبر "
.
إذن ، فالخلافُ
بين الفريقين في شكلِ التركيب هل يعتمدُ ؟ أو لا يعتمدُ ؟ ، أمرٌ آخرٌ ، ألا وهو لحاق
التنوين لهذه الصيغة ، فمن الصعوبة بمكان إلحاق هذه الصيغة بالأفعال ، والتنوين داخلٌ
عليها ، أي إخراجُ هذا التركيب من نطاق الجملة الاسمية إلى نطاق الجملة الفعلية
.
وهذا النوع من المبتدأ يُطابق مرفوعَهُ في التذكير والتأنيث
، جاء في الكتاب : " فإن بدأتَ بنعتٍ بمؤنثٍ فهو يجري مجرى المذكر ، إلا أنكَ
تُدخل الهاءَ ، وذلك قولكَ : أذاهبةٌ جاريتاكَ ؟ ، و أكريمةٌ نساؤكم ؟ ، فصارت الهاءُ في الأسماء بمنزلة التاء
في الفعل إذا قلتَ : قالت نســاؤكم وذهبت جاريتاكَ " .
أما المطابقةُ
في الإفرادُ وفرعيه ، فقد يتطابق المرفوعُ ووصفُهُ ، وقد لا يتطابقان ، وذلك على النحو
الآتي :
1- الوصفُ مفردٌ ومرفوعُهُ
مفردٌ :
يتطابق الوصفُ
مع مرفوعهِ إفراداً ، وذلكَ نحو قولنا : (أذاهبٌ زيدٌ) ، (وأذاهبةٌ هندٌ) ، وهذا التطابقُ
يؤدي إلى جواز نوعين من الإعراب ، الأول منهما يكون الوصفُ فيه مبتدأ و ما بعده فاعلاً
يسد مسد الخبر ، أما الثاني ، فيكون فيه الوصفُ خبراً مقدماً ، والمرفوعُ مبتدأ مؤخراً
.
2- الوصفُ مثنىً ومرفوعهُ
مثنىً :
وذلك نحو قولنا
: (أذاهبان العمران) .
3-
الوصفُ جمعٌ ومرفوعهُ
جمعٌ :
كقولنا : (أذاهبون
العمرون ) ، وفي هذه الحالة والتي قبلها يكون الوصفُ خبراً مقدماً ومرفوعُهُ مبتدأ
مؤخراً " هذا على المشهور من لغة العرب ، ويجوز على لغة أكلوني البراغيث ، أن
يكون الوصفُ مبتدأ وما بعده فاعلٌ أغنى عن الخبر " .
وقد لا يتطابق
الوصفُ والمرفوعُ في الإفراد وفرعيه ، فقد يجئ الوصفُ مفرداً و مرفوعُهُ مثنىً أو مجموعاً
، وذلك نحو قولنا : ( أقائمٌ أخواكَ) ، و (أقائمٌ اخوتُكَ) ، وفي هذه الحالة يُعرب
الوصفُ مبتدأ و مرفوعه فاعلا له يسد مسد الخبر لا غيرُ ؛ لأننا لو حملنا هذا التركيب
على التقديم والتأخير ، لألزَمَنَا ذلك ، الإخبارَ عن المثنى والجمعِ بالمفرد ، وهذا
لا يجوز .
إن سبب جواز حالة
عدم التطابق ؛ هو النظر إلى هذا التركيب من زاوية المعنى ، يقول ابنُ يعيش :
" وأعلمْ أنَّ قولَهم : ( أقائمٌ الزيدان ) إنما أفاد نظراً إلى المعنى ، إذ المعنى
( أيقومُ الزيدان) " ، فالمعنى معنىً فعلي .
وورد هذا التركيب
في القرآن الكريم في آياتٍ قليلةٍ ، وذلك في قوله تعالى : وَيَسْتَنْبِئُونَكَ
أَحَقٌّ هُو (يونس:53) ، وإن كان (حقٌ)
ليس وصفاً ، إلا إنه بمعنى (ثابت) ، يقول العكبري
: " وقوله تعالى : أَحَقٌّ هُو مبتدأ ، و (هو) مرفوع به ، ويجوز أن يكون (هو)
و (أحقٌ) الخبر " وهذا الإعراب على ما
مرَّ بنا من جواز الوجهين ، لكون المبتدأ ووصفه مفردين ، ونحن نلاحظ أن المطابقة قد تمت بين الوصف ومرفوعه
إفراداً وتذكيراً .
وقال تعالى
: قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ (مريم:46) ، وقد تطابق الوصفُ (راغبٌ) مع مرفوعهِ
(أنتَ) إفراداً وتذكيراً ، وإعرابُ هذه الآية ، يكون بجعل الوصفِ مبتدأ ، والمرفوعِ
فاعلاً يسد مسد الخبر ، لا على التقديم والتأخير ؛ ذلك لأن الأصل عدمُ التقديم والتأخير
، ولو قلنا به للزم الفصلُ بين العامل (أراغبٌ) ، ومعموله (عن آلهتي) ، بأجنبي (أنتَ)
، فـ (أنتَ) مبتدأ مؤخر ، و (راغبٌ) ، خبر مقدم ، ولا عملَ للخبر على المبتدأ ، وبذلك
يكون (أنتَ) فاصلاً بين العامل (أراغبٌ) ، ومعموله (عن آلهتي) ، بخلاف لو قلنا بالفاعلية
.
وقال تعالى
: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ
لا يَرْجِعُونَ (الأنبياء:95) ،
فـ (حرامٌ) مبتدأ ، و(أنهم لا يرجعون) فاعل يسد مسد الخبر، والمعنى "ممتنع رجوعهم إلى الدنيا" ،
ولم يتخالف الوصفُ ومرفوعُهُ ، فـ (الرجوع) مصدرٌ يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ والمفردُ
والمثنى والجمعُ . وقال تعالى : قُلْ إِنْ أَدْرِي
أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (الجـن:25) ،فـ
(قريبٌ) مبتدأ و(ما) مرفوعٌ به يسد مسد الخبر ،
وقد تطابق الوصفُ والمرفوعُ إفراداً وتذكيراً ، ويجوز إعرابُ الآية على التقديم
والتأخير ، إلا أن ما ذكرناه أولى ؛ لأنه الأصل .
من كلِّ ما تقدم
، نجد أنَّ الآياتِ التي ورد فيها هذا التركيبُ ، جاءت من نوع واحد ، وهو إفرادُ الوصفِ
ومرفوعِهِ وتذكيرهما، وقد لاحظنا أنَّ المطابقةَ قد تمت بينهما في كلِّ المواطنِ
.
إذا كان أفعل التفضيل خبراً :
يُعرفُ العلماءُ
أفعل التفضيل بأنَّهُ : " الصفة الدالة على المشاركة وزيادة ، نحو : أفضل وأعلم
وأكثر "
.
ولأفعل التفضيل حالاتٌ ثلاثٌ يأتي بها في تركيب الكلام ،
فيأتي مجرداً من الإضافة و من الألف واللام ، ويأتي مضافاً ، ويأتي محلى بالألف واللام ، ويأتي أفعل التفضيل خبراً في تركيب الكلام ، فمرة
يكون خبراً عن مفرد مذكر ، أو مؤنث ، ومرة يكون خبراً عن مثنىً مذكرٍ ، أو مؤنث ، ومرة
يكون خبراً عن جمع مذكر ، أو مؤنث ، ومجيء أفعل التفضيل خبراً في تركيب الكلام يدخل
في موضوع المطابقة بين المبتدأ والخبر .
أولاً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مجرداً عن الإضافة والألف واللام
:
فإذا جاء أفعل
التفضيل مجرداً عن الإضافة والألف واللام ، لَزِمَ الإفرادَ والتذكيرَ ، أي مخالفة
المبتدأ في العدد والجنس ، يقولُ ابنُ عقيل : " ويلزمُ أفعل التفضيل المجرد الإفرادَ
والتذكيرَ " ، فنقولُ : ( زيدٌ أفضلُ
من عمروٍ ، والزيدان أفضلُ من عمروٍ والزيدون أفضلُ من عمروٍ ، وهندٌ أفضلُ من زينب
، والهندان أفضلُ من زينب ، والهنداتُ أفضلُ من زينب ) ، ويعللُ ابن يعيشٍ هذا الإفرادَ والتذكير مع غير
المفرد المذكر فيقولُ : " قد تقدم القولُ أن أفعل منك موضوعٌ للتفضيل ، وهو بمنزلة
الفعل ، إذ كان عبارة عنه ، ودالاً على المصدر والزيادة ، كدلالة الفعل على المصدر
والزمان ، فمنع التعريف ، كما لا يكون الفعل معرفاً ، ومنع التثنية والجمع ، كما لا
يكون الفعل مثنىً ولا مجموعاً ، وكذلك لا يجوز تأنيثه ، إنما تقولُ : ( هندٌ أفضلُ
منكَ ) من غير تأنيث ، وذلك لأن التقدير ( هندٌ يزيدُ فضلها على فضلك ) فكان أفعل ينتظمُ
معنى الفعل والمصدر ، وكل واحد من الفعل والمصدر مذكرٌ لا طريقَ إلى تأنيثه
" .
وقد جاء من نحو
هذا التركيب في القرآن الكريم ، قال تعالى :[لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا (المائدة:107) ،
وقال تعالى : إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا (يوسف:8) ، وقال
تعالى : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا
الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (الروم:9) ، وقال جلَّ وعلا
: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (الكهف:46) ، فنحنُ نلاحظُ أنَّ أفعل التفضيل
جاء بصيغة واحدة ، وهي الإفراد والتذكير ، على الرغم من مجيئه خبراً عن مفرد مؤنث
( شهادتنا ) ، وعن مثنىً مذكر ( يوسف وأخوه ) ، وعن جمع مذكر ، الضمير من ( كانوا
) ، وعن جمع مؤنث ( الباقيات ) ، وهذه الحالة لا تعنينا في دراستنا
.
ثانياً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافاً :
أ – إذا كان مضافاً إلى معرفة :
إذا أُضيف أفعل
التفضيل إلى معرفة ، جاز فيه المطابقة وعدمها ، جاء في شرح المفصل : " ( فأما
إذا أُضيف ساغ الأمران ) الإفراد في كلِّ حالٍ ، تقولُ : زيدٌ أفضلكم ، والزيدان أفضلكم
، والزيدون أفضلكم ،وتقول في المؤنث : هندٌ أفضلكم ، والهندان أفضلكم ، والهنداتُ أفضلكم
، والتثنية والجمع إذا وقع على مثنىً او مجموع " ، ويعللُ ابنُ يعيشٍ هذا الجوازَ وعدمه بقوله :
" وإنما جاز الأمران في ما أُضيف ؛ لأنَّ الإضافة تعاقبُ الألفَ واللامَ ، وتجري
مجراها ، فكما أنَّكَ تؤنثُ وتثني وتجمع مع الألف واللام ، كذلك تفعلُ مع الإضافة التي
هي بمنزلة ما فيه الألف واللام ، وأمّا علَّة الإفراد ، فلأنَّكَ إذا أضفته كان بعض
ما تضيفه إليه ، تقولُ : حماركَ خيرُ الحمير ، لأنَّ الحمار بعض الحمير ، ولو قلتَ
: حماركَ أفضلُ الناس ، لمْ يجزْ ؛ لأنَّهُ ليس منهم ، لأنَّ الغرض تفضيل الشيء على
جنسه ، وإذا كان كذلك ، فهو مضارعٌ للبعض ، الذي يقعُ للمذكر والمؤنث والتثنية والجمع بلفظ واحد ، فلمْ
يُثنَّ ولمْ يُجمعْ ، ولمْ يُونثْ ، كما أنَّ البعضَ كذلك "
لقد استعمل النظمُ
القرآني هذا التركيب مطابقاً وغير مطابقٍ ، فمثاله مطابقاً ، قوله تعالى
: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة:204) ، وقوله تعالى
: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (آل عمران:54) ، وقوله تعالى
: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي
بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ
الْمُنْزِلِينَ (يوسف:59) ، وغير
ذلك ، وإنَّ أغلب ما ورد من أفعل التفضيل
الخبر المضاف إلى معرفة ، هو خبرٌ عن مفردٍ مذكرٍ.
وأمّا مثاله غير مطابق ، قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (البينة:6) ، وقوله تعالى
: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (البينة:7) ، وإنَّ
مواطن المطابقة من مثل هذا التركيب في القرآن الكريم بلغت أضعاف مواطن المخالفة
.
ب – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافاً إلى نكرة :
فإذا أضيف أفعل
التفضيل إلى نكرة ، وجب عدم المطابقة ، يقول ابنُ هشام : " الثاني : ما يجبُ فيه
أن لا يُطابق ، بل يكون مفرداً مذكراً على كلِّ حالٍ وهو نوعان : أحدهما المجرد من
أل والإضافة ، 000 ، والثاني المضاف إلى نكرة ، تقولُ زيدٌ أفضلُ رجلٍ ، والزيدان أفضلُ
رجلين 000 " ، وقد ورد مثلُ هذا التركيب
في القرآن الكريم ، قال تعالى : انْظُرْ كَيْفَ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (الإسراء:21) ، ولا تعنينا هذه الحالة ، لأنها
لا تدخل ضمن مظهر المطابقة .
ثالثاً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر محلى بالألف واللام
:
فإذا جاء أفعل
التفضيل محلى بالألف واللام ، وجب فيه مطابقته لما قبله في العدد وفي الجنس ، جاء في
شرح المفصل : " ( فأما إذا دخلت الألف واللام ) نحو : زيدٌ الأفضلُ ، خرج عن أن
يكون بمعنى الفعل ، وصار بمعنى الفاعل ( واستغنى عن من والإضافة ) وعلم أنَّهُ قد بان
بالفضل فحينئذٍ يؤنث إذا أريد به المؤنث ، ويثنى ويُجمع ، فتقول : زيدٌ الأفضلُ ، والزيدان
الأفضلان ، والزيدون الأفضلون والأفاضل ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان ، والهندات
الفضلياتُ والفُضلُ " ، جاء في كتاب الإيضاح
: " فإذا عُرِّفَ بالألفِ واللام ، أُنثَ وثُني وجُمع ؛ لأنَّ تعريفه باللام أخرجه
عن شبه الفعلية ، فجرى على طبق ما هو له من التأنيث والتثنية والجمع
" .
فمثاله مفرداً
مذكراً قوله تعالى : قُلْنَا لا تَخَفْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (طـه:68) ، ولم
يأتِ في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر مفرداً مؤنثاً ، أو مثنىً مذكراً أو مثنىً
مؤنثاً ، وأمّا مثاله جمعاً مذكراً ، فنحو قوله تعالى : وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران:139)
، وقوله تعالى : لا جَرَمَ أَنَّهُمْ
فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (هود:22) ، ولم
يرد في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر جمعاً مؤنثاً .
Post a Comment