شيلات


ماهي شيلات


شيلات.. لون فني شعبي مستحدث


تعد شيلات لونا فنيا شعبيا مستحدثا، وله هواته ومحبوه، وهي تحظى بمواصلة عديد من شرائح المجتمع، لألحانها الحماسية، ولخلوها من المعازف التي لا تفضل سلخة رقيقة من المجتمع الإنصات إليها. ومن ذلك الوصف يمكن فكرة مطروحة توضيح مفهوم قاموسي شيلات ، كالتالي: فن شعري غنائي، له أصول من الفلكلور الشعبي، يعتمد على تأدية سريع يحرض العاطفة عند مستمعيه، ويؤديه فرد أو أكثر مع ترديد جماعي "كورال". وكلمة شيلة، وجمعها شيلات ، يعني بها أن يشيلها، أي يغنيها المنشد بلحن، ويحملها معه الحضور بطريقة جماعي ولحن غنائي.
تتصف شيلات بسمات رئيسية تفصلها عن الأغنية، مثل: أن لغتها عامية، ولم تدخلها الفصحى حتى هذه اللحظة، وأنها ذكورية ولم تدخلها المرأة سوى في حالات نادرة لا تعد مقياسا، وأنها موجهة لتهييج العواطف مع نبرات تحدي وعبارات تصادمية تمثل الحماية عن القبيلة والوطن أو تؤكد مكونات الشدة والنفوذ في مدائح الشخصيات، ولم تدخلها المشاعر والعقلانية سوى بحدود ضيقة. وذلك يدعم فكرة أنها صنعة استثمارية ممولة، مثلما سيأتي.
تتركب من أربعة مكونات، هي: أولا القصيدة، ويلحظ أن القصيدة والشاعر فيها ليس العنصر الهام، لهذا فقد لا يعلم عديد من شعراء شيلات ، مثلما أن بعضهم لا يذكر اسمه ويوجد شعراء مغمورون ومشهورون يبيعون القصائد بمبالغ زهيدة. والعنصر الثاني: المنشد الذي يشيل القصيدة بلحن، وتستخدم تقنيات فنية لتطوير الصوت وتفخيمه، ما يشارك في نفوذ الشيلة. والعنصر الثالث: اللحن والإيقاع، وتلك كثيرا ما تكون معدة مسبقا من شركات الإصدار، ولا تفتقر إلى ألحان خاصة، لأنها ألحان فلكلور قديم. والعنصر الرابع: النشر، ويكفي رفعها على "يوتيوب"، لأنها لا تفتقر إلى موزع وحقوق أصدر وملكية فكرية، ما أسهم في انتشارها.

تاريخ شيلات

يصعب تحديد اللحظة التي انطلقت فيها شيلات ، ولا أول شيلة ظهرت، ولكن على حسب تتبعي البسيط، تبين لي أنها ظهرت بذورها ما بين عامي 2005 - 2010، وتشعّبت وتوسعت بين المملكة ودولة اليمن والخليج، ولكن صورتها الذهنية ارتبطت بالمملكة أكثر، واستخدمت بغزارة في الحرب على الحوثي المعروفة بـ"عاصفة الحزم". وهكذا من الممكن أن تكون قد بدأت لأهداف عسكرية، مثلما هو الوضع في الحروب القديمة التي تعتمد كثيرا على القصائد المثيرة للعواطف، ثم تحولت إلى فن لجميع المقاصد الاجتماعية.
وقد تكون نشأت من تطور فن المرغوب، وهو من الفلكلور البدوي، إذ كانت محال التسجيلات الصوتية تنتشر في محطات البنزين على الأساليب السريعة، وتشغل مراد بين شاعرين لجلب الركاب الذين توقفوا للتزود بالوقود، وقد كانت المرغوب تتمتع بأهم مكونات شيلات ، مثل: الأبيات الشعرية المغناة، والجمهور المردد للأبيات مع تصفيق متناغم، وقد كانت مسلية لكثير من الناس ويقطعون الأساليب الطويلة بالاستمتاع بها.

أشكال شيلات

يمكن تقسيم شيلات إلى اتجاهين بوصفها منتجا أخلاقيا وليس على أنها منتج فني، هما: اتجاه مؤقت، ويتمثل في شيلات ذات مناسبات معينة وتنتهي بنهاية الحدث مثل: شيلات المرافقة للإبل في مزاين الإبل، والزواجات، ومدائح أفراد سددوا مديونيات، وهو الوجهة ينتهي تداوله سريعا. والاتجاه الثاني، يتمثل في شيلات ذات موضوعات اجتماعية وأدبية وتاريخية، وذلك النوع يوجد طويلا في الذاكرة، وسريع الانتشار وتأثيره قوي، وهي شيلات التي تعبر عن اللاوعي الشعبي، وهي كذلك تنقسم إلى شيلات غير سلبية تبث قيم الكرم وإغاثة المحتاج والمروءة، شيلات سلبية تبث قيما لا تتفق مع قوانين المجتمع وعاداته والقيم الإسلامية.
حولت تلك الأشكال شيلات إلى سوق استثمارية، وهذا لسهولة إنتاجها وسرعة تطبيقها وبثها، ورخص قيمتها بمقابل قوة تأثيرها.

مؤشر للتناقض شيلات 


اتضح أنه ليس شيلات مجرى أخلاقي واحد، وإنما تنوعت موضوعاتها بين ثناء وترحيب وتقرير مناسبات خاصة وتعليمات دينية ووطنية، لكن أكثر شيلات انتشارا وأسرعها تأثيرا هي شيلات الحماسية التي تنشر التحدي والاستعداد للصدام، وغالبا ما تستدعي الزمان الماضي لإثبات التميز في زمن ما.
يظهر أن نوع شيلات الحماسية أطلقت كوامن اللاوعي في الإنسان، وصارت وسيلة محايدة ظاهريا للتعبير عن أنانيته وحب الفخر عنده واحترامه لمنطق الشدة، وتلك الملامح التي يرغب أن يوصف بها حتى وإن لم تكن من ملامح شخصيته. شيلات تعبر باهتمام عن ازدواجية القيم في اللاوعي الشعبي، إذ إن الإنسان يحب أن يوازن بين حبه أن يبالغ في توضيح الطرب والتفاعل مع الشيلة "يقدح ويشوش"، مع حرصه على المحافظة على الآداب العامة، فجاءت شيلات لتعبئته نفسيا، بسببهم تعرض عديد منهم لضغوطات اجتماعية واقتصادية، فجاءت شيلات بوصفها رد إجراء لتخفف من حدة التناقض السيكولوجي والقيمي، ولإشباع الدوافع النفسية، ويؤكد ذلك أن كثيرا من شيلات التي حظيت بانتشار واسع تحتوي عبارات التحدي والصدام باستعمال ألفاظ حَثّ صريح، ويؤكد انتشارها السريع على ملامستها لحقيقة الإنسان الذي يحترم النتائج والغايات بغض البصر عن الطرق المتبعة لأخذ الحقوق

وهكذا، فإن محتوى بعض شيلات التي تأخذ دورا في تضخيم الذات والشعور بالفوقية على الآخرين، قد تسهل مبالغة حالات الاعتداء نحو المراهقين الذين يكثرون من ترديد سماعها، وتلك واحد من أكثر أهمية المساءلات لمنتجي فن شيلات . إذن، تكشف ثنائية التشريع والوعظ أننا في مواجهة وضعية تناقض بين شكلانيتهما مع هبوط تأثيرهما، نتيجة لـ مخاطبتهما للعقل الواعي مع عدم وجود أشكال سيادتهما نحو المواقف في الحياة اليومية. فجاءت شيلات لتخبرنا عن حقيقة اللاوعي الشعبي الذي يلجئ للقوة وحب الوجاهة والمال. وبذلك، فإن شيلات مؤشر اجتماعي دقيق من الممكن أن يقاس به المسافة بين أقوال الناس عن جماليات التشريع والوعظ، وبين تطبيقاتها في الحياة العملية. معرفة لقاء المعرفة «الحياة اليومي»

Post a Comment

Previous Post Next Post