التزكية الاقتداء الاستجابة القسط الحكمة

التزكية الاقتداء الاستجابة القسط الحكمة المنهج الجديد 
 مباحث المقاربة التحليلية التوجيهية:



مداخل بناء المنهاج الجديد: (التزكية-الاقتداء-الاستجابة-القسط-الحكمة)؛
المقاربة الديداكتيكية للمداخل الرئيسة في بناء منهاج التربية الإسلامية؛
توجيهات ديداكتيكية حول الاشتغال على المداخل؛
المداخل ومفردات المنهاج الجديد بالسنة الثالثة إعدادي،( التزكية في سورة الحشر)؛
خطاطة: التزكية ومفردات المنهاج الجديد في سورة الحشر؛
المداخل ومفردات المنهاج الجديد بالسنة الأولى بكالوريا (التزكية في سورة يوسف)؛
خطاطة: التزكية ومفردات المنهاج الجديد في قصة يوسف عليه السلام؛
سورة يوسف والمنهج التزكوي؛
مدرس التربية الإسلامية والمنهاج الجديد؛
1.1. مداخل بناء المنهاج الجديد لمادة الربية الإسلامية 

 الاستجابة التزكية الاقتداء 
تحضير درس اسماء الله الحسنى
مدخل التزكية سورة الحديد
جذاذة اسماء الله الحسنى
مقدمة لدرس اسماء الله الحسنى
حق الله تقوى الله المقرر الجديد 2017
تلخيص مادة التربية الاسلامية للسنة الثالثة اعدادي الدورة الاولى
خطاطات دروس التربية الاسلامية للسنة الثالثة اعدادي الدورة الثانية المقرر الجديد
تلخيص دروس الثالثة اعدادي التربية الاسلامية

تعتبر المداخل الخمسة التي بني على أساسها منهاج التربية الإسلامية بالسلك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي تجديدا في تدريسية التربية الإسلامية، والانتقال من المعرفة النظرية إلى المعرفة التطبيقية المحدثة للتحول في فكر وسلوك المتعلم، حيث كانت الإشكالية - وما تزال-  هذا الانفصال المريع بين القول والعمل، ولقد احتفى الإمام مالك رحمه الله بالسنة العملية ممثلة في عمل أهل المدينة واعتبرها من أسس المذهب، ثم تحول مركز الاهتمام إلى السنة القولية في اشتغال الفقهاء والعلماء "ومفاد هذا أن الفقهاء تركوا  طريق التأييد العملي الذي كان يميز الفقه الحي، وأخذوا بطريق التجريد العقلي الذي سيؤدي، عن قريب،  إلى إنشاء الفقه التقديري، ثم في نهاية المطاف إلى الإغراق في الفقه الفروعي"

(2)

، وإن التربية العملية، التي غيبت في المناهج التعليمية، تَقْلِبُ جوهر المتعلم وتبدل حاله من حال إلى حال، ويظهر بمظهر جديد، كما أن مقاصد هذه المداخل هي إحداث هذا التحول في شخصية المتعلم ، وهي القضية الأساس التي نبه إليها الشيخ العارف بالله سيدي الحاح على الدرقاوي في نقاشه مع الفقهاء أصحاب الفقه التقديري حين قال لهم: " فيا إخواننا الفقهاء لماذا لا نلتقي نحن وأنتم في الوسط لتدركوا ما عندنا مثل ما أدركنا ما عندكم، فنتعاون على نفع العباد أنتم بتربية ونحن بتربية، أنتم بتربية ظواهرهم ونحن بتربية بواطنهم، فإن ذلك أقرب وأسهل لإتمام ما نريده جميعا؛ وقد أمر الله بالتعاون على البر والتقوى"

(3)

الذاريات/56 



د. طه عبد الرحمن، روح الدين الإسلامي من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط(2) 2012، ص: 404
المختار السوسي، المعسول، مطبعة فضالة (بدون تاريخ)، (1/205)
مدخل التزكية 

التزكية من زَكَا الشيء يَزْكُو زَكَاءً وزُكُوًّا، بمعنى النماء، وأرض زكية أي طيبة. وهذا الأمر لا يَزْكُو بفلان زَكَاءً أي لا يليق به، وزَكَّى نفسه مدحها، والزكاة الصلاح.

(1)

قال تعالى:﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

(2)

  وهي مفهوم مركزي في القرآن الكريم، وموضوعها الإنسان. وقد قدم المنهاج الجديد تعريفا "موجها" للتزكية بقصد ترسيخ قيمة التواضع لدى المتعلم . قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾

(3)

، وانطلاقا مما نص عليه المنهاج، فإن هدف التزكية هو توريث حب الإيمان في المتعلم بإتيان الأعمال أو ما عبر عنه بـ "الاستجابة" حيث يتحرك وازع الحياء فيه فيكُفُّ عن المخالفات والمحرمات، ويستجيب لفعل الخيرات، فالتزكية إذن مجال للتربية والسلوك. وقد ذكر لفظ" أزكى لكم "و " أزكى لهم" في سياق ما قد يحيك في النفس البشرية نتيجة بعض الممارسات. قال تعالى: ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

(4)

، وقال: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ 

(5)

.

والسؤال الذي يواجهنا هو: كيف نجعل المتعلم يتعلق بهذا المطلق الكامل الذي هو توحيد الله وتعظيمه ومحبته؟ وإذا كانت التزكية ترتبط أصلا بالوجدان، فكيف نبني التعلمات انطلاقا من هذا المنهاج؟ وكيف نُحَيِّدُ المقاومة الوجدانية التي تتدخل فيها ذات المتعلم بكلياتها رفضا للتعبد أو التعلق بالمطلق الكامل؟ وكيف يكون حاله الوجداني لما يتلبس بمدخل من هذه المداخل؟ أليس في هذا الحال الوجداني الذي يتحول فيه المتعلم حسب مفردات المنهاج إزعاج؟ وهل التفكير الحِكْمي المطلوب في تصريف مفردات المنهاج يكُفُّ أذى ذات المتعلم عن عدم اتخاذ سبيل اللين والرحمة في الاستجابة أو الممارسة العملية؟

مدخل الاقتداء
يقول تعالى:﴿ أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه‏﴾

(6)

  وهذا فَتْحٌ لِبَاب اكتساب التفضيل الموجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدوة من أهم وأبرز أساليب التربية لأنها تفيد في نقل الأفكار والقيم والسلوكات الصحيحة إلى الآخرين، وتقدم نموذجا تربويا تحتاجه البشرية في جميع تفاصيل الحياة. والاقتداء تَمثُّلُ المِثَالِ. من قَدَا، والْقَدْوُ: أصل البناء الذي يتشعب معه تصريف الاقتداء، يقال: قِدْوَةٌ وقُدْوَةٌ لما يقتدى به، والقُدوة: ما تسنَّنْت به، وهو الأُسْوةُ.

(7)

وقد ورد في المنهاج الجديد أن القدوة هي معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال وقائع السيرة وشمائله وصفاته الخلقية والخلقية باعتباره النموذج البشري الكامل قصد محبته واتباعه والتأسي به لنصرته وتعظيمه وتوقيره. لقوله تعالى:﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

(8)

  فالاقتداء بالكمال المحمدي أساس الاهتداء.

ابن منظور(أحمد أبو الفضل) لسان العرب، دار صادر – بيروت، 2003، (14/358) مادة: زكا 


النور/21
الجمعة/2
النور/28
النور/30
الأنعام/90
ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، (12/ 171) مادة: ( قدا)
الأحزاب/24

3.1.1                 مدخل الاستجابة


جاء في المنهاج الجديد: يقصد بها تطهير الجسم والقلب لتأهيل المؤمن لعبادة الله وشكره بالذكر والدعاء بهدف تزكية الروح لتحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة. لقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾(

1)

فهل الاستجابة عملية تطهير للجسم والقلب أم هي طاعة وامتثال؟ وما علاقة هذا المفهوم بالاستجابة للمعالجة في سيكولوجية التعلم، والتي تهتم بحاجيات المتعلم الأكاديمية؟ وإذا كان المستجيب هو المتعلم، فما قَدْرُ استجابته لتحقيق التزكية المطلوبة؟ وما هي الاستراتيجيات المتاحة لنقل المتعلم من حالة الغفلة إلى حالة الهداية؟ وكيف نتيح له الفهم والتدبر لتتحقق الاستجابة المطلوبة انطلاقا من قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾(

2)

. يقول بن عجيبة: " إنما يستجيب لدعوة الخصوصية، ويُجيبون الدعاة إلى السير لشهود عظمة الربوبية، الذين سبقت لهم العناية، وأحيا اللهُ قلوبهم بالهداية، فيسمعون بسمع القلوب والأرواح، ويتَرقَّون من حضرة عالم الأشباح إلى حضرة عالم الأسرار والأرواح؛ والموتى بالغفلة والجهل يبعثهم الله ببركة صُحبة أهل الله فَتهُبُّ عليهم نفحات الهداية؛ لِما سبق لهم من سر العناية، ثم إليه يُرجعون فيتنعمون في حضرة الشهود ، في مقعد صدقٍ عند الملك الودود".

(3)

الدلالة اللغوية

ذكر صاحب اللسان

(4)

أن أصل الفعل من "جَوَبَ"، ومن أسماء الله المجيب، وهو الذي يقابل الدعاء والسؤال بالعطاء والقبول، وهو اسم فاعل من " أجَابَ يُجِيبُ ". والجَوَابُ معروف: رديد الكلام، والفعل: أجَاب يُجِيبُ. قال الله تعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(5) 

أي: فليجيبوني. وقال الفراء: يقال: إنها التلبية، والمصدر: الإجَابَةُ، والاسم الْجَابَةُ، بمنزلة الطاعة والطاقة. والإجابة: رجع الكلام، تقول: أجابه عن سؤاله، وقد أجَابَهُ إِجَابَةً وإجَاباً وجَوَاباً وجَابَةً واسْتَجْوَبَهُ واسْتَجَابَهُ واسْتَجَابَ لَهُ .

قال كعب بن سعد الغنوي

(6) 

يرثي أخاه أبا المغوار: 

     

                     

وَدَاعِ دَعـــــــَـــــا يـــَـا من يُجِيبُ إِلَـــــى النـــــَّـــدَى                  فَلـــَــــــــمْ يَسْتَجِبــْــــــهُ عِنـْــــــدَ ذَاكَ مُجِيــــــــــــبُ



                       

              فَقُلْتُ ادْعُ أخْرَى وَارْفَعِ الصَّوْتَ رِفْعَةَ               لَعَــــــــــــــــــلَّ أبَ المِغـــــــــــْـــوارِ مِنــــْـــــــــــكَ قَريـــــــــــــــــــبُ



     

شرح معنى كلمة الاقتداء
ما معنى الاقتداء في التربية الاسلامية
مفهوم الاقتداء في التربية الاسلامية
اهمية الاقتداء بالرسول
ما معنى اقتدى
عبارات عن الاقتداء بالرسول
الاقتداء بالرسول في مناجاته
مدخل الاقتداء    

تعريف الاستجابة  امثلة على الاستجابة للمثيرات
معنى الاستجابة  المثير والاستجابة عند بلومفيلد  في النظرية السلوكية
القسط التزكية في التربية الاسلامية مداخل التربية الاسلامية الابتدائي المداخل الخمسة  اولى باك انواع التزكية


الأنفال/24 

الأنعام/36
محمد بن عجيبة الحسني، البحر المديد في تفسير كتاب الله المجيد، تحقيق أحمد عبد الله القرشي رسلان، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999،(2/141)
ابن منظور، مصدر سابق، (1/283) مادة: (جوب).
البقرة/186
كعب بن سعد بن عمرو الغنوي، من بني غني من قيس بن عيلان. شاعر مخضرم مجيد من أهل الطبقة الثانية وشعره يحتج به عند أهل اللغة وكان له أخ يدعى أبا المغوار قتل في حرب ذي قار، رثاه فصارت من المراثي المعدودة عند العرب واشتهر بها وقد قال عنه الأصمعي بين أصحاب المراثي: ليس في الدنيا مثلها. وكان يكثر من اقتباس الأمثال في شعره، فعُرف بكعب الأمثال.

3.2.1.1.

أنواع الاستجابة

1.2: استجابة رضا وإيمان: قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

)1)

وهذه الاستجابة هي امتثال ورضا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم في دلالتها على الطاعات التي فيها حياة القلوب.

2.2: استجابة طاعة وإحسان: وتتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إليه المؤمنين من حياة القلوب بالتشبث بالدين وقيمه. وإن دعوة الله تسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك ورد الاقتران والاضافة في الآية﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾، وهي للمؤمنين الكُمَّلِ. والاستجابة مؤكدة بإذن الدعوة إلى رسول الدعوة. ولام التعليل لأجل الحياة الروحية، وهي مقصود الاهتمام بها.

والاستجابة تعني الإجابة، فالسين والتاء في الآية للتأكيد، وقد استعملت الاستجابة في الغالب لإجابة طلب معيّن أو في الأعم، أما الإجابة فهي إجابة لنداء وغلب أن يُعدى باللام إذا اقترن بالسين والتاء، كما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم﴾

(2).

فالدعوة إلى الدين فيه حياة المؤمن التي تتعلق بدنياه وأخراه، كما فيه حياة قلبه وسيره إلى الله.



عن هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَصَاحَ بِهِ، فَقَالَ: " تَعَالَ يَا أُبَيُّ " . فَعَجَّلَ أُبَيُّ فِي صَلاتِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : " مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُول: ﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾؟ " قَالَ أُبَيُّ : لا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا تَدْعُونِي إِلا أَجَبْتُكَ ، وَإِنْ كُنْتُ مُصَلِّيًا . قَالَ: " أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلا فِي الإِنْجِيلِ، وَلا فِي الزَّبُورِ، وَلا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا؟ " فَقَالَ أُبَيٌّ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ: " لا تَخْرُجْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَهَا "، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ لِيَخْرُجَ، قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: السُّورَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَقَفَ، فَقَالَ: " نَعَمْ، كَيْفَ تَقْرَأُ فِي صَلاتِكِ؟ " فَقَرَأَ أُبَيٌّ أُمَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاة، وَلا فِي الإِنْجِيلِ، وَلا فِي الزَّبُورِ، وَلا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا، وَإِنَّمَا لهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ "

(3)

. فإجابة صاحب الدعوة مطلوب وإن كان الانسان في صلاة وذكر. لأنه منه تأتي الأنوار والهداية ليحيا القلب. وإن عدم الاستجابة تجعل المرء يتحول من الإيمان إلى الكفر، ومن اليقين إلى الشك، ومن الصفاء إلى الكدر. قال البيضاوي في تفسيره: "هو تمثيل لغاية قربه من العبد، وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب، مما عسى أن يغفل عنها صاحبها كما في الاستجابة مبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها، قبل أن يحول الله بين الانسان وقلبه بالموت أو غيره، وقد يكون تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه، ويغير مقاصده، ويحول بينه وبين الكفر، إن أراد سعادته، وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته

". (4)

الأنفال/24 
آل عمران/  195
ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، 1989 كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب رقم الحديث:4720
عبد الله بن عمر البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، إعداد وتقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان (3/55).
وفي الآية إشارة ولفتة كريمة "إلى أن الله تعالى جعل من فضله ورحمته، في كل زمان وعصر، دعاة يدعون الناس إلى ما تحيا به قلوبهم، حتى تصلح لدخول حضرة محبوبهم، فهم خلفاء عن الله ورسوله، فمن استجاب لهم وصحبهم حيي قلبه، وتطهر سره ولبه، ومن تنكب عنهم ماتت روحه في أودية الخواطر والأوهام"

(1).

فهل هذه الاستجابة هي استجابة فكر أم استجابة قلب؟ أم هما معا؟ ومن المطيع بالحقيقة لله هل هو عقل الإنسان أم قلبه؟ يقول الإمام الغزالي: " فالقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله، وهو المُطالَب وهو المُخاطَب، وهو المُعاتَب، وهو الذي يسعد بالقرب من الله، فيفلح إذا زكاه، وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودساه، وهو المطيع بالحقيقة لله تعالى"

(2)

وقد ذكر مفهوم الاستجابة في القرآن الكريم (42) مرة بصيغ مختلفةّ: (أُجِيبُ-يُجِبْ-يُجِيبُ-نُجِبْ-أَجَبْتُمْ-أَجِيبُوا-أُجِيبَتْ-اسْتَجَابَ-اسْتَجِبْ-يَسْتَجِيبُ-اسْتَجَابُوا-اسْتَجَبْناَ-اسْتَجَبْتُمْ-يَسْتَجِيبُونَ-يَسْتَجِيبُوا-اسْتَجِيبُوا-جَوَاب-مُجِيب-المُجِيبُون)

(3)،

وقد تكرر في السور المكية(31) مرة بدلالة العقيدة والإيمان وحياة القلوب والأرواح،  وفي السور المدنية( 11) مرة بدلالة التشريع، والعمل وطلب التوسعة في الرزق، وشكر النعم، والنصر على الأعداء، وتفريج الكرب.

وإن مفهوم الاستجابة هي إقبال وطاعة وإحسان، وأمر وامتثال، ويعتبر قوله تعالى:﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

(4)

قيد كاشف ومعبر عن حقيقة الحياة المرغوب فيها.

مدخل القسط 
  أبرز المنهاج الجديد أن القصد من القسط تعرف المتعلم على مختلف الحقوق: حق الله في التعظيم والتنزيه، وحق النفس في التربية والتهذيب، وحق المخلوقات في الإصلاح والرعاية، وحق الخلق في الرحمة والنفع والنصح. وغاية هذه الحقوق والواجبات الوصول بالفرد إلى التعامل الإيجابي مع كل ما خلق الله من الكائنات وذلك برعاية حقوقها والعناية بها قصد إصلاح أحوالها وفق منظور الرحمة والرعاية. لقوله تعالى:﴿ قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾

  (5)

والقِسْط: العَدْلُ: وهو من المصادر الموصُوف بها، يوصف به الواحد والجمع ميزانٌ قِسْطٌ، وميزانان قِسْطٌ، وموازينُ قِسْطٌ، قال تعالى:﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

  (6) 

فكيف سيتم تصريف هذه الحقوق في المنهاج الجديد؟ وما علاقتها بالقيم الحقوقية الكونية؟

محمد بن عجيبة الحسني، البحر المديد في تفسير كتاب الله المجيد، تحقيق أحمد عبد الله القرشي رسلان، مرجع سابق،(2/345) 

أبو حامد محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ط(3) 2007، (1/857)
محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الحديث، القاهرة، ط(1994)  ص: 235
الأنفال / 24
الحديد/ 25
الأنبياء/47
أنواع القسط 



  إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أن هذا المفهوم ذكر فيه (27) مرة، (11) مرة في السور المكية، و( 16) مرة في السور المدنية

(1).

ومن مجالاته:

القسط الإلهي: الحكم العدل. قال تعالى:﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (2)
القسط الاجتماعي والتربوي: قال تعالى:﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(3). وقوله تعالى:﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (4)
القسط النفسي/ الذاتي. قال عز وجل:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(5)
مدخل الحِكْمَة 
الحكمة لغة من الحَكَمَة، وهي ما أحاط بحَنَكَيِ الفرس، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها، حتى تمنعها من الجِماح، والحكمة تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال

(6)

. وأَحْكَمَ الأَمْرَ: أي أَتْقَنَه فاستَحْكَم، ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عمَّا يريد. وهي بهذا المعنى العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود والعمل بمقتضاها، وتأتي أيضا بمعنى: الإتقان والإحكام، ومن هنا سمي العالم حكيما، لأنه صاحب حكمة متقن للأمور.

(7)

، وإصابة الحق بالعلم والعقل.

(8)

وعند الأصوليين والفقهاء تعني:

" الحكمة هي ما يترتب على التشريع من جلب مصلحة أو تكميلها " (9).
الحكمة هي غاية الحكم المطلوبة بشرعه كحفظ النفس والأموال ..."(10)
" الحكمة عبارة عن جميع الأحكام، فإنها تدل على شرعية ما فيه من جلب مصلحة أو دفع مفسدة (11).
محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مرجع سابق، ص:691 
الأنبياء/47
الأحزاب/5
الحجرات/9
(5)    المائدة/8

(6) أحمد بن محمد بن علي الفيومي(أبو العباس) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية - بيروت ،ص: 56. مادة: حكم

(7) ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق (12/143)

(8)  الراغب الأصفهاني(أبو القاسم الحسين بن محمد) مفردات غريب القرآن، تحقيق وضبط، محمد سيد كيلاني، دار المعرفة بيروت- لبنان، كتاب الحاء، مادة: حكم، ص: 127

(9) البناني(عبدالرحمن بن جاد الله) حاشية البناني على شرح المحلى على جمع الجوامع، مصر، مصطفى الباب الحلبي، ط 1 , 1349 هــ , (2/ 236 )

(10) الطوفي ( نجم الدين أبو ربيع بن عبد القوي) شرح مختصر الروضة، تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بيروت-لبنان , مؤسسة الرسالة , ط 1 , 1990م ، (3/386)

(11) العز بن عبد السلام، الإمام في بيان أدلة الأحكام، تحقيق رضوان غريبة، بيروت-لبنان، دار البشائر الإسلامية، ط 1 ،1987، ص: 136

والحكمة -كما تناولها المنهاج الجديد-إصلاح النفس وتهذيبها والسمو بها وتطهيرها وفق توجيهات الشرع، بما يرفع الفرد إلى مستوى الإيجابية والمبادرة بالأعمال الصالحة للتقرب إلى ربه، وتعميم النفع وتجويد الأعمال وفق قيم الرحمة والتضامن والمبادرة لقوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾

  (1)

.

ولما كان أصل الحكمة المنع، فإن الكلمة الواعظة حكمة لأنها تمنع صاحبها من التورط في الجهل، وتتوجه تبعا لذلك إلى الأقوال والأفعال.

والحكمة في القرآن الكريم كما ذكر أبو هلال العسكري على خمسة أوجه

(2):

الحلال والحرام والسنن والأحكام. قال تعالى:﴿ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (3)
الفهم والعلم. قال الله:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.  (4)
النبوة. قال سبحانه: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾. (5)
تفسير القرآن والعلم قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾ .(6)وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ  ﴾ (7)
القرآن وغيره من الكلم المرشدة. قال تعالى:﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. (8)
والحكمة - تبعا لذلك- هي الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة، بخطابات مقنعة وعِبر نافعة.



(1) البقرة/269

(2)أبو هلال العسكري، الوجوه والنظائر، حققه وعلق عليه محمد عثمان،  مكتبة الثقافة الدينية، 2007، ص: 180، أما الدامغاني في كتابه إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم،  تحقيق وترتيب عبد العزيز سيد الأهل، دار العلم للملايين، بيروت لبنان، ط(5)، أبريل 1985، ص: 141 ، فذهب إلى أن الحكمة في القرآن الكريم -كذلك- على خمسة أوجه: الموعظة- الفهم- النبوة- تفسير القرآن- القرآن وغيره. وقد زاد ابن الجوزي وجها سادسا هو السنة. والحكمة عنده ضرب من العلم يمنع من ركوب الباطل أو هي خروج النفس على كمالها الممكن لها في حدي العلم والعمل. ابن الجوزي، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، دراسة وتحقيق، محمد عبد الكريم كاظم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط(3)، 1987ص: 260-261. أما البيضاوي في تفسيره للآية: 269 من سورة البقرة فقال: "الحكمة تحقيق العلم وإتقان العلم"، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، مرجع سابق، (1/160)






والملاحظ أن هذه المداخل/ المفاهيم لم يتم تحديدها من الناحية النظرية بشكل يسمح للمدرس(ة) بالبحث والتجديد في مجال تدریسية التربية الإسلامية، ويتجه نحو استثمار النص الشرعي؛ إذ أن مفتاح فهم النص الشرعي والنفاذ إلى معانيه هو المفهوم؛ والحجر الأساس في بناء الدرس والمدخل الذي یمكن المتعلم من فتح ما أغلق من النصوص. والجسر الذي لابد للعبور منه لفهمها وتوظيفها.  والكشف عن الشبكة المفهومية وتمثل قضایاها، وكذلك العلاقات بين المفاهيم المؤطرة للدروس. وهذه المداخل لها دور كبیر في بناء الدرس في التربية الإسلامية، وإن فهم المتعلم للنص الشرعي، وكیفیة الاشتغال عليه متوقف على التحكم فيها، وقدرته على توظيفها. 

  وتعتبر عملیة الاشتغال انطلاقا من هذه المداخل، والنبش في دلالاتها، وإبراز العلاقات فيما بینها، عملیة جوهریة لا یمكن تجاوزها في بناء الدرس، فهذا الأخیر یجعل منها نشاطا رئیسیا، ما دامت تحضر في جميع محطاته: إشكالية الدرس/مقاربة النصوص وتفكيكها/مساءلة وبناء المعرفة/إعادة تركيبها وتقويمها.

المقاربة الديداكتيكية للمداخل الرئيسة في بناء منهاج التربية الإسلامية 



التزكية

بناء الإنسان من الداخل، وتنمية قيمه الروحية


الاقتداء

تمثل المثال والكمال البشري  المتمثل في رسول الله، والتاسي به من خلال سيرته وشمائله


الاستجابة

الممارسة والتطبيق والقيام بالطاعات والإحسان فيها


القسط

معرفة الحقوق والواجبات(الله- الغير- المحيط-البيئة)وفق ما جاء في الدين الإسلامي


الحكمة

تحقيق العلم وإتقان العمل،

توجيهات ديداكتيكية حول كيفية الاشتغال على المداخل 




اعتبار المداخل الخمسة وحدة متكاملة ومترابطة فكرا وسلوكا وعلما وعملا؛ 
التدرج بالمتعلم في بناء المفاهيم والمهارات والمواقف؛
التعامل الأفقي بين المداخل والانسجام العمودي بين مفردات كل مدخل؛
محورية المتعلم في بناء التعلمات انطلاقات من وضعيات مشكلة مرتبطة بالواقع؛
اعتماد مقاربات ديداكتيكية وبيداغوجية تقوم على البحث والتقصي والاستقراء والاستدلال والاستنباط وحل المشكلات؛
ربط دروس برنامج التربية الإسلامية بالحياة لإضفاء المعنى على المفاهيم والمعارف المكتسبة؛
اعتبار النصوص وظيفية في بناء المعرفة والاشتغال على المفاهيم؛
الالتزام بالثوابت الوطنية المتمثلة في إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الشعرية والتصوف السني؛
المداخل ومفردات المنهاج الجديد بالسنة الثالثة إعدادي (التزكية في سورة الحشر) 













سأركز في هذا المبحث على مدخل التزكية في سورة الحشر بالسنة الثالثة إعدادي، والتي تتناول إجلاء بني النضير من محلتهم نتيجة غدرهم، وكيف يربي القرآن الكريم المسلمين ويزكيهم بهذه الأحداث، ويربطهم بالحقائق الكلية الكبرى، وذكر أسماء الله الحسنى وفاعليتها في هذا الكون، وتصور حقيقتها في الإيمان الواعي المدرك والبصير تَعلُّقا وتَخلُّقا وتَحقُّقا.

خطاطة: التزكية ومفردات المنهاج الجديد في سورة الحشر
2



التزكية


سورة الحشر


اسماء الله الحسنى


أهمية التدين في حياة الفرد والمجتمع


سورة الحشر


1.5. سبب نزول سورة الحشر

: نزلت هذه السورة في حادث بني النضير - حي من أحياء اليهود - في السنة الرابعة من الهجرة لما نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين، ووعد المنافقين لهم بالنصر والتأييد ثم غدرهم، فحاصرهم  رسول الله  صلى الله عليه وسلم، وصالحهم عن الجلاء عن المدينة.

(1)

وفي السورة الآيات السبع، في آخرها، يأمر فيها الله عباده بالاستعداد للقائه من طريق المراقبة والمحاسبة. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

(2)

  ، وهو خطاب عام لجميع المؤمنين، وفيه عتاب وتقريع لهم مع التلويح إلى قلة من يصلح لامتثاله منهم


3)

كما تشير الآية إلى ماهية العمل والتكاليف التي ينبغي أن تكون فيها  الطاعة والامتثال طلبا للتزكية.

الواحدي،( أبو الحسن علي بن أحمد) أسباب النزول، تخريج وتدقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، دار الإصلاح، الدمام ، ط(2) 1992، ص: 416 

الحشر/18
محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، صححه وأشرف على طباعته: الشيخ حسين الاعلمي، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، الطبعة: الأولى 1997، (19/226)

2.5

.

مفهوم أسماء الله الحسنى

: هي أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد الله

، وصفات كمال الله ونعوت جلاله، وأفعال حكمة ورحمة ومصلحة وعدل من االله يُدعى 

الله بها، وتقتضي المدح والثناء بنفسها. سمى الله بها نفسه في كتبه 

أو على لسان أحد من رسله 

أو استأثر الله بها في علم الغيب عنده، لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد ، وهي حسنى يراد منها قصر كمال الحسن في أسماء الله، ولا يعلمها كاملة وافية إلا الله. وهي أصل من أصول التوحيد

،  ورَوْحُ الإيمان 

وروحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه 

وقوي يقينه، والعلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم عند المسلمين، وأجلها على الإطلاق لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله تعالى. قال الله عز وجل: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾

(1)

وقال سبحانه: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾



(2)

وأسماء الله الحسنى توقيفية لا يجوز فيها القياس. فقد نقل الزركشي عن الأستاذ أبي منصور في التحصيل قال: " أجمع أصحابنا على أن أسماء الله توقيفية لا يجوز إطلاق شيء منها بالقياس، وإن كان في معنى المنصوص"

(3)

،

وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"

(4)

  .قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم من أحصاها دخل الجنة؛ فاختلفوا في المراد بأحصاها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناها حفظها، وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل أحصاها أعدها في الدعاء بها، وقيل أطاقها أي أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق معانيها"

(5)

وقال أبو بكر بن العربي: "اعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية لا تؤخذ قياسا واعتبارا من جهة العقول، وقد زل في هذا الباب طوائف من الناس"

(6)

، وأكد أبو القاسم القشيري أن: "الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع، فكل اسم ورد فيها يجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه"

(7)

وإن التزكية  بالأسماء الحسنى يطال القلوب، والقلوب حين ولادتها على ثلاثة أنواع: قلب لم يولد، يوجد في بطن الشهوات والمعاصي والجهل والضلال، وقلب قد ولد وخرج إلى فضاء التوحيد والمعرفة فقرت عينه بالله، وقرت عيون وقلوب به، وقلب ثالث في البرزخ ينتظر الولادة قد أشرف على فضاء التجريد، وآنس من خلال الديار أشعة التوحيد

(8)

.


  (1) طه/8

(2) الإسراء/110

(3) بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحرير الشيخ عبد القادر عبد الله العاني، ومراجعة د. عمر سليمان الأشقر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط(2) 1992، (2/20-21)، كتاب الدعوات.

(4)  أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب: إن لله مائة اسم إلا واحدا، رقم الحديث: 6957

(5) صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية بالأزهر، ط(1) 1930(11/5-6)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والحث على ذكر الله تعالى.

(6) بدر الدين الزركشي، معنى لا إله إلا الله، دراسة وتحقيق محيي الدين علي القره داغي دار الاعتصام، القاهرة، 1405ه، ص: 140-141

(7) ابن حجر، فتح الباري، تقديم وتحقيق وتعليق عبد القادر شيبة الحمد، الرياض، ط(1) 2001، (11/226)

(8) ابن القيم الجوزية، طريق الهجرتين، وباب السعادتين، حققه محمد أجمل الإصلاحي، وخرج أحاديثه زائد بن أحمد النشيري، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، ط(1)  1429 ه (2/ 30-31)

أسماء الله تعالى الحسنى في سورة الحشر والمنهج التزكوي 


يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 


  (1)



في هذه الآيات ثلاثة مقاطع يبدأ كل مقطع منها بصفة التوحيد:

﴿

Ó



هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ

  ﴾

أو

﴿

Ó

هُوَ اللَّهُ




ولكل اسم من هذه الأسماء الحسنى أثر في هذا الكون ملحوظ، وأثر في حياة الإنسان ملموس. فهي توحي إلى القلب بفاعلية هذه الأسماء والصفات. ذات أثر وعلاقة بالناس والأحياء. وليست هي صفات سلبية أو منعزلة عن كيان هذا الوجود، وأحواله وظواهره المصاحبة لوجوده


*﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ 


  تقرير وحدانية الاعتقاد، ووحدانية العبادة، ووحدانية الفاعلية من مبدإ الخلق إلى منتهاه. ويقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفكير والشعور والسلوك، وارتباطات الإنسان بالكون وبسائر الأحياء. وارتباطات الناس بعضهم ببعض على أساس وحدانية الإله. 

*

﴿

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ




  الشعور بعلم الله للظاهر والمستور. واستقراره في الضمير، ومن ثم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر والعلانية; ويعمل الإنسان بشعور المراقب من الله المراقب لله، الذي لا يعيش وحده، ولو كان في خلوة أو مناجاة! ويتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب ولا ينام! .

*﴿



هُوَ الرَّحْمَٰنُ



الرَّحِيمُ




  الشعور بالطمأنينة لرحمة الله والاسترواح. ويتعادل الخوف والرجاء، والفزع والطمأنينة. فالله في تصور المؤمن لا يطارد عباده ولكن يراقبهم. ولا يريد بهم الشر بل يحب الهدى، ولا يتركهم بلا عون وهم يصارعون الآفات والأهواء


*﴿

  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ


  إعادتها باعتبارها القاعدة التي تقوم عليها سائر الصفات

.. 

*﴿

الْمَلِكُ

  ﴾

  استقرار في الضمير أن لا ملك إلا الله الذي لا إله إلا هو. وإذا توحدت الملكية لم يبق للمملوكين إلا سيد واحد يتجهون إليه،

*﴿

  c



الْقُدُّوسُ




وهو اسم يشع القداسة المطلقة والطهارة المطلقة. ويلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور، فينظف قلبه ويطهره، ليصبح صالحا لتلقي فيوض الملك القدوس،

*﴿

السَّلَامُ


وهو اسم كذلك يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود، وفي قلب المؤمن تجاه ربه. فهو آمن في جواره، سالم في كنفه. وحيال هذا الوجود وأهله من الأحياء والأشياء. ويؤوب القلب من هذا الاسم بالسلام والراحة والاطمئنان. وقد هدأت شرته وسكن باله وجنح إلى الموادعة والسلام.

الحشر/ 22-23-24، والسورة مدنية بالاتفاق، وعدد آياتها: 24 دون خلاف بين أهل العد. سميت بـ (الحشر) لوقوع لفظ (الحشر) فيها. ولكونها ذكر فيها حشر بني النضير من ديارهم أي من قريتهم المسماة الزهرة قريبا من المدينة، فخرجوا إلى بلاد الشام إلى أريحا وأذرعات، وبعض بيوتهم خرجوا إلى خيبر، وبعض بيوتهم خرجوا إلى الحيرة، ويسميها ابن عباس رضي الله عنهما: سورة بني النضير. 



*﴿

ا

لْمُؤْمِنُ



  ﴾

  أي واهب الأمن وواهب الإيمان. ولفظ هذا الاسم يشعر القلب بقيمة الإيمان، حيث يلتقي فيه بالله، ويتصف منه بإحدى صفات الله. ويرتفع إلى الملإ الأعلى بصفة الإيمان


*﴿

 الْمُهَيْمِنُ ﴾ 

إذ كانت الأسماء السابقة﴿  الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ ﴾ 

صفات تتعلق مجردة بذات الله. فإن هذه فتتعلق بذات الله فاعلة في الكون والناس. توحي بالسلطان والرقابة.  وكذلك﴿  الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ 

﴾ فهي أسماء توحي بالقهر والغلبة والجبروت والاستعلاء. فلا عزيز إلا هو. ولا جبار إلا هو. ولا متكبر إلا هو. وما يشاركه أحد في أسمائه وصفاته، وما يتصف بها سواه. فهو المتفرد بها بلا شريك.  وتختتم الآية بقوله تعالى: 

﴿



سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 






*﴿

  هُوَ



اللَّهُ


فهي الألوهية الواحدة. وليس غيره بإله، ووقوع اسم الجلالة في صدر الآيات الثلاث جميعا، فهو علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال يرتبط به ويجري عليه جميع الأسماء.

*﴿

الْخَالِقُ الْبَارِئُ






والخلق: التصميم والتقدير. والبرء: التنفيذ والإخراج، فهما اسمان متصلان والفارق بينهما لطيف دقيق

.. 



*﴿



الْمُصَوِّرُ ۖ






وهو كذلك اسم مرتبط بالأسماء قبلها. ومعناها إعطاء الملامح المتميزة والسمات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة.  وتتوالى هذه الأسماء المترابطة اللطيفة الفروق، تستجيش القلب لمتابعة عملية الخلق والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلة مرحلة -حسب التصور الإنساني -فأما في عالم الحقيقة فليست هناك مراحل ولا خطوات. وما نعرفه عن مدلول هذه السماء والصفات ليس هو حقيقتها المطلقة فهذه لا يعرفها إلا الله. إنما نحن ندرك شيئا من آثارها في حدود طاقتنا الصغيرة.

*﴿

لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ﴾

الحسنى في ذاتها. بلا حاجة إلى استحسان من الخلق ولا توقف على استحسانهم، والحسنى التي توحي بالحسن للقلوب وتفيضه عليها. وهي الأسماء التي يتدبرها المؤمن ليصوغ نفسه وفق إيحائها واتجاهها، إذ يعلم أن الله يحب له أن يتصف بها. وأن يتدرج في مراقيه وهو يتطلع إليها، وفيها إشارة إلى بقية الأسماء الحسنى عن آخرها لكون الأسماء جمعا محلى باللام وهو يفيد العموم.

وخاتمة هذه الأسماء الحسنى مع مدلولاتها الموحية وفي فيوضها العجيبة، هي مشهد التسبيح لله يشيع في جنبات الوجود، وينبعث من كل موجود: 

*﴿



يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ




وهو مشهد يتوقعه القلب بعد ذكر تلك الأسماء; ويشارك فيه مع الأشياء والأحياء.. كما يتلاقى فيه المطلع والختام في تناسق تام 

(1)

إن الآيات المتضمنة لأسماء الله الحسنى؛ تأخذ بيد السائرين في طريق معرفة الله، وتقودهم من درجة إلى درجة ومن منزل إلى منزل، حيث تبدأ الآيات أوّلا بالحديث عن ذاته المقدّسة، ومن ثمّ إلى عالم الخلقة، وتارةً اُخرى بالسير نحو الله تعالى، حيث ترتفع روحانيته إلى سمو الواحد الأحد، فيتطهّر القلب بالأسماء والصفات الإلهية المقدّسة، ويربى في أجواء هذه الأنوار والمعارف، حيث تنمو براعم التقوى على ظاهر أغصان وجوده، وتجعله لائقاً لقرب جواره لكي يكون وجوداً منسجماً مع كلّ ذرّات الوجود، وهي درس تربوي كبير للإنسان، لأنّها تقول له: إذا كنت تطلب قرب الله، وتريد العظمة والكمال... فاقتبس من هذه الصفات نوراً يضيء وجودك

.



(2)

سيد قطب، في ظلال القرآن، مرجع سابق (6/3529) 
ناصر مكارم الشيرازي الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الطبعة الأولى، 1426ه، (18/222-223-224)
المداخل ومفردات المنهاج الحديد بالسنة الأولى بكالوريا(التزكية في سورة يوسف) 



سأقتصر في هذا المبحث -كذلك- على مدخل التزكية في سورة يوسف عليه السلام بالسنة الأولى البكالوريا، لإبراز مظاهرها في المواقف والابتلاءات التي تعرض لها وعناية الله به، من خلال نماذج مختلفة أبانت عنها القصة في القرآن الكريم، وتدل على أن التعبد لله ييسر على الإنسان سبل الحياة،﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾(

1).

وتتناول السورة حقيقة الفعل الإنساني تلبية لدواعيه ودوافعه، وعلى هذا الفعل يقوم العمران ويتحقق التوحيد والتزكية بنجاح الإنسان في اختبار الابتلاء.

وإن "غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصا وامتلأ بمحبته تعالى لا يبتغي له بدلا ولم يلو إلى غيره تعالى من شيء، وأن الله تعالى يتولى هو أمره فيربيه أحسن تربية فيورده مورد القرب ويسقيه فيرويه من مشرعه الزلفى فيخلصه لنفسه ويحييه حياة إلهية وإن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، ويرفعه وإن توفرت الحوادث على ضعته، ويعزه وإن دعت النوائب ورزايا الدهر إلى ذلته وحط قدره."

(2)

وإذا نظرنا إليها من منظور مقاصدي، نجد أنها تقوم على ثلاثة مقاصد كبرى: التوحيد، والتزكية، والعمران. فالتوحيد يمثل حق الله على العباد وبدونه لا يمكن أن يتحقق أي شيء، والتزكية تعتبر من أهم صفات الإنسان المستخلف، وبدونها-كذلك-يفقد أهليته للقيام بدور الخليفة، ومؤهلاته في العمران.

(3)

يوسف/90 












محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مرجع سابق، (11/75)
حوار مع د. طه جابر العلواني حول مقاصد الشريعة، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العددان التاسع والعاشر، 2000 ص: 56
خطاطة: التزكية ومفردات المنهاج الجديد في قصة يوسف عليه السلام 

2



التزكية


الايمان والغيب


الايمان والعلم


الايمان والفلسفة


الايمان وعمارة الأرض


8. 1.الايمان والغيب

: يقول الله تعالى:﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾

(1)

فالقصة في سياق الغيب غير المعلوم، وجاء الوحي ليثبته ضمن قضايا العقيدة والدين.

2.8.الايمان والعلم

: يقول عز وجل

:

﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾

(2)

هناك مسألتان تطرحهما الآية: مسألة العلم ومسألة التأويل، فالعلم لا يتعلق بالظاهر من السلوك، ولكن هناك أمور خفية اقتضتها العناية الإلهية أوجبت علما من عند الله، فينبئ الإنسان بما يرى. ﴿ ٰذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ﴾ وهو تعليل للعلم اللدني الذي هو فضل من الله على عباده الصالحين. ﴿ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾

(3)

   والمسألة الثانية هي التأويل عندما تُشغل الفكر قضية ما، والتأويل يرتبط بالعلم ارتباطا وثيقا، وإلا كان عبارة عن تخرصات وأوهام وشطحات. فالعملية التأويلية هي الانتقال من ظاهر الخطاب إلى باطنه، وهو عملية فهم عميقة لمساءلته واستنطاقه(

3)

. وهذه المساءلة تقوم بها الذات/ المدرس التي تتعامل مع هذا الخطاب لتفهمه، وهي ذات معرفية لابد أن تتسلح بأدوات وآليات منهجية لفهم النص، وذات نفسية ترتبط بشخصية المؤول/الباحث، وذات اجتماعية تعيش في بيئة لها ظروفها الخاصة، وتحكمها حركيـة المجتمع وعلاقاته ومشكلاته. يقول الإمام السهروردي: "أما التأويل فصرف الآية (النص) إلى معنى تحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه يوافق الكتاب والسنة، فالتأويل يختلف باختلاف حال المؤول (... ) من صفاء الفهم ورتبة المعرفة"

(4)

يوسف/102 

يوسف/37
يوسف/38
أبو النجيب السهروردي، عوارف المعارف، دار الكتاب العربي ،1966، ص:256
3.8.الايمان والفلسفة

: يقول عز وجل:﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ 

(1)

إن قصة يوسف تمثل حقيقة عميقة ذات بعد فلسفي إيماني يعرفها الذين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بالله اتصالا كاملا. ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يعرفوها، لأنها لا تنقل بها، إنما تسري في القلوب فتعيشها، ويشعرون أنهم في هذا الوجود ليسوا وحيدين بلا أنيس. فكل ما حولهم من صنع الله، وليس أشقى على وجه الأرض ممن يحرم طمأنينة الأنس بالله، لأنه انفصم عن العروة الوثقى التي تربطه به تعالى. فلا يدري لم جاء؟ ولم يذهب؟ ولم يعاني ما يعاني في الحياة؟ يشق طريقه وحيدا شاردا

(2)

  بأفكار ورؤى باطلة، وليست الفلسفة طرح أسئلة حارقة أو منبتة عن عمق الوجود وأُفُقِه، وإنما للبحث والمعرفة عن الصلة القائمة بين العالم المرئي والعالم الغيبي

  (3)

وهي لأصحاب الفهوم أولي الألباب.

4.8.الايمان وعمارة الأرض

: يقول سبحانه: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ


(4)

قال القرطبي: " هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال ، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة ، ودفعه مصلحة، ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ؛ ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله - عز وجل - ورحمة رحم بها عباده، من غير وجوب عليه، ولا استحقاق؛ هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين"

(5)

وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

﴾ 

(6)

  وعمارة الأرض تقتضي مراعاة مصالح الناس وحسن التدبير، وتعتبر التزكية من أبرز مؤهلات الإنسان في العمران كما أن إنتاج الأثر المصلحي فيه يتطلب ربط الأحكام التكليفية والوضعية بالمقاصد والقيم العليا في الدين. وعمارة الأرض تتطلب "القيام بالواجب المرهق الثقيل ذي التبعة الضخمة في أشد أوقات الأزمة؛ ولقد تحمل يوسف مسؤولية إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات، لا زرع فيها ولا ضرع. فليس هذا غُنْماً يطلبه يوسف لنفسه. وإنما هي تبعة يهرب منها الرجال، لأنها قد تكلفهم الشيء الكثير، والجوع كافر، وقد تمزق الجماهير الجائعة أجسادهم في لحظات الكفر والجنون".

(7)

يوسف/111 

سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ط(32)، 2003، (4/2060)
د. طه عبد الرحمن، روح الدين الإسلامي من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، مرجع سابق، ص: 182
يوسف/47-48-49
القرطبي(أبو عبد الله)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الله بن المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط(1) 2006، (11/367)
يوسف/55-56
سيد قطب، في ظلال القرآن، مرجع سابق، ( 4/2005)
سورة يوسف والمنهج التزكوي 

تعتبر سورة يوسف

(1)

  النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء النفسي والعقدي والتربوي، وتبدو القصة وكأنها المجال المتخصص في عرض هذا المنهج التزكوي.

وتناولت السورة شخصية يوسف عليه السلام -وهي الشخصية الرئيسة في القصة -عرضا كاملا في جميع مجالات حياتها، وباستجابات هذه الشخصية في هذه الجوانب وفي تلك المجالات. وتعرض أنواع الابتلاءات التي تعرضت لها تلك الشخصية الرئيسة في القصة؛ وهي ابتلاءات متنوعة في طبيعتها وفي اتجاهاتها: ابتلاءات الشدة والرخاء. والفتنة بالشهوة، والفتنة بالسلطان. وبالانفعالات والمشاعر البشرية تجاه مختلف المواقف؛ ويخرج يوسف من هذه الابتلاءات والفتن كلها نقيا طاهرا متجردا في وقفته الأخيرة، متجها إلى ربه بذلك الدعاء المنيب الخاشع. ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾

(2)

وإلى جانب عرض الشخصية الرئيسة في القصة تعرض السورة الشخصيات المحيطة بدرجات متفاوتة من التركيز. وفي مساحات متناسبة من مساحة العرض، وعلى أبعاد متفاوتة من مركز الرؤية وفي أوضاع خاصة، وتتعامل القصة مع النفس البشرية في واقعيتها الكاملة. متمثلة في نماذج متنوعة هي:

نموذج يعقوب الوالد المحب الملهوف والنبي المطمئن الموصول؛
نموذج إخوة يوسف وهواتف الغيرة والحسد والحقد والمؤامرة والمناورة، ومواجهة آثار الجريمة، والضعف والحيرة، وأمام هذه المواجهة، نجد يوسف عليه السلام يتميز فيهم بشخصية موحدة السمات في كل مراحل القصة ومواقفها،
نموذج امرأة العزيز بكل غرائزها ورغائبها واندفاعاتها الأنثوية إلى جانب طابعها الشخصي الخاص الواضح، وفي تصرفها انطباعات البيئة،
نموذج النسوة من طبقة علية القوم، والأضواء التي تلقيها على البيئة، ومنطقها كما يتجلى في كلام النسوة عن امرأة العزيز وفتاها، وفي إغرائهن كذلك ليوسف وتهديد امرأة العزيز له في مواجهتهن جميعا كما يتجلى في سجن يوسف بصفة خاصة،
نموذج "العزيز" وعليه ظلال طبقته وبيئته في مواجهة جرائم الشرف من خلال مجتمعه،
نموذج "الملك" يتوارى في لمحة كما توارى العزيز بعيدا عن منطقة الأضواء في مجال عرض القرآن المتناسق.(3)


(1)  مكية نزلت بعد هود، وعدد آياتها: 111 باتفاق أصحاب العد، وهي السورة الثالثة والخمسون في ترتيب نزول السور على قول الجمهور.

         (2) يوسف/33

         (3) سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ط(32) 2003، (4/1949)


    ولا شك أن قضايا البحث في السورة من مدخل التزكية والتي انصبت على: الإيمان والغيب/الإيمان والعلم/الإيمان والفلسفة/الإيمان وعمارة الأرض، هي قضايا بحثية تتطلب إدراكا دقيقا للمفاهيم/ المداخل وكيفية الاشتغال عليها بما



یدفع المتعلم إلى التفكیر فيها، والتعامل معها من خلال تلك العلاقات التي یتضمنها الخطاب الشرعي، والتي تبدو واضحة في سورة يوسف. ورغم صعوبة التعامل مع المفاهیم الشرعية، نظرا لكونها تتمیز بالتجرید غير أننا نلجأ إلى طرح الأسئلة في معالجتها. ووضع المفهوم على محك السؤال یضمن لنا من الناحیة الديداكتيكية حركية خصبة على مستوى تفكير المتعلم أو نشاطه المنظم في الدرس، وبهذه الكیفیة نستطيع إقحامه في النقاش ثم الانطلاق من تمثلاته الأولیة وأحكامه عن المفهوم، والتدرج به إلى مستوى لحظة المعرفة الشرعية،

مدرس التربية الإسلامية والمداخل العامة للمنهاج الجديد 


      تتطلب مقاربة مفردات البرنامج الجديد تملك الأستاذ لهذه المداخل واستيعاب مقولاتها حتى يتسنى له بناء معرفة تشتغل من خلالها. فالتدبير التعبدي يحتاج إلى رؤية سليمة تكسب فعل التدين الإخلاص للمعبود وليس إظهار العبادة. يقول التهانوي:" الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل"

(1)،

والاشتغال على هذه المداخل في مفردات المنهاج الجديد للتربية الاسلامية يولد لدى المدرس(ة)الابداع وتحديد المواقف النظرية في مجالات الحياة في عملية حوار مع المفاهيم واستنطاق لها، واستجابة فاعلة وتوظيف هادف للنص القرآني.

وهذه المداخل تتحرك من مفردات حاملة لمعرفة ثابتة، غير أنها متجددة ومنفتحة على الفكر لمساءلتها والبحث فيها من منظور قيمي تزكوي، وإن استخدام المدرس لأدواته المنهجية في قراءة النص الشرعي، أمر هام من أجل إضفاء طابع العقـلنة على عمله، وعدم السقوط في الفكر الوعظي الإرشادي أو التحريضي، وما يؤسس له هذا الفكر من تشدد وتطرف.

  وإذا كانت المناهج المستخدمة اليوم في قراءة النص عديدة ومتنوعة، فإن امتلاكها من طرف مدرس(ة) التربية الإسلامية صعب جدا، ويحتاج هذا الامتلاك إلى خلخلة بنيات فكرية سابقة، قبل الرمي به في أتون هذه المناهج. وإن غرضنا من إثارة هذه القضايا هو إثارة الوعي لدى المدرس(ة) بأهمية المنهج في قراءة النص وتوظيفه. وتعتبر المداخل/ المفاهيم مجالا لتتبع المفهوم الشرعي ورصد حركيته في النص، أخذا بعين الاعتبار المجال الذي يتحرك فيه إما العقدي أو التشريعي، وإمكانات توظيفـه في معالجة وضعية، أو التساؤل حول قضية مجتمعية لينمي بذلك قدرات البحث والتفكير لدى المتعلم.






(1) التهانوي(محمد بن على القاضي) موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف مراجعة د. رفيق العجم، تحقيق د. عبد الله الخالدي، مكتبة لبنان ناشرون -بيروت، ط(1) 1996(1/854) مادة: الدين



وإن المتأمل في المداخل الرئيسة التي بني على أساسها المنهاج في جميع المستويات يلاحظ عدم تحديدها بشكل دقيق، يمكن المدرس(ة) من توظيف مفاهيمها الأساس في مفردات البرنامج، ويتدرج بها في تنمية قدرات التفكير والفهم لدى المتعلم، وإحداث التحول في السلوك بحركة العقل التي تبعث على تبدل الحال جهدا بعد جهد. (1) وبأفعال تتميز بالصفات الآتية: 

صفة العمل العمقي الذي يتعدى تأثيره ظاهر المتعلم وينفذ إلى أعماقه؛
صفة العمل الكلي الذي لا يقتصر على بعض أجزاء الفرد بل يتسع إلى ذاته كاملة؛
صفة العمل التغييري الذي يرتقي بذات المتعلم وسلوكه بأن يحصل التبدل في الجوانب الجوهرية من هذا السلوك؛
صفة العمل المتصل وعدم انقطاعه بألا يكون للعمل محدوديته الزمنية، وإنما يدوم بدوام الحياة؛
صفة العمل التدرجي بحيث لا نلزم المتعلم بالإتيان بالممارسات التعبدية دفعة واحدة وإنما بالقدر الذي يطيق؛
صفة العمل السلمي الذي لا يقهر المتعلم في التعلم، ولا في الممارسة التعبدية والسلوكية المطلوبة(2).
وإن المرتكز الأساس هو العمل التزكوي الذي يورث قوة وازعة نابعة من الخوف من الله والفوز بمحبته، ويجعل المتعلم يتحول قلبا وقالبا، بحيث يصير متعبدا في كل شيء وفي كل وقت وفي كل أين.

(3)

وخلاصة لهذه المقاربة التحليلية والتوجيهية، فقد اشتغلت المداخل الخمسة التي بني عليها المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية على قضايا فكرية تتميز بالتربية على القيم يمكنها أن تحدث تحولا في المتعلم / الإنسان لتطلق إمكاناته وتخرج مكنوناته، وتجعله يجدد ممارسته للفكر والعقل معا، ومكابداته لكل ما هو براني.



Previous Post Next Post